بقلم - سمير عطا الله
أعطت الجائحة الدرس الأخير لهذا العالم: التحدي الأكبر لمستقبل البشرية ليس السلاح ولا الخطر النووي، بل هو البيئة. لا حياة على الكوكب من دون بيئة نظيفة، وجرثومة غير مرئية يمكن أن تشكّل خطر إبادة كونياً. وخطر البيئة المهددة لا يعرف حدوداً ولا أسواراً ولا حصراً. بالإضافة إلى ملايين الضحايا، دمّر اقتصادات العالم ونشر البطالة والفقر وأهلك صناعات وتجارات كثيرة.
أهم ما في مبادرة السعودية، الأولى على هذا المستوى منذ الجائحة، أنها أيضاً عابرة للحدود. لا نفع في خير لا يشمل جيرانك وجوارك. والرؤية هي استباق، لا سباق، صحّة البيئة لم تعد تَرفاً. إنها مصير الأوطان والشعوب. ولم يعد في إمكان الدول أن تعيش بمحدوديات الماضي. هذه هي خلاصة النموذج الذي يرعاه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، في العناوين الكبرى التي تشملها رؤية الأمير محمد ولي عهده.
لم تعد السياسة كل شيء في حياة الأمم. هناك أولويات وأهميات أكثر إلحاحاً وضرورة. وإذا كان الملك سلمان، قد أشرف في نصف القرن الماضي على أوسع حركة عمران وتحديث في تاريخ المملكة، فإنه يرعى اليوم إطلاق العملية الانتقالية نحو العصر المقبل، القائم على معطيات وحقائق فرضت نفسها على تطور العالم على نحو مذهل. سوف تنضم دول كثيرة إلى المبادرة. كان وليام بالغريف أول رحّالة غربي يصل إلى الرياض في القرن التاسع عشر. وعندما وقف على أسوارها قال: «رأيت هنا الكثير من الخضرة بعد مسار طويل في العراء».
الخضرة أولاً، الخضرة دائماً. لون الحياة والأمل. ولون الإنجاز المستديم. قد يكون كل ما نراه لغة جديدة على أمثالنا وصوراً جديدة ومنطقاً جديداً. وبعض الأشياء تبدو لي شخصياً وكأنها مشاهد من فيلم خيالي، بل هناك لغة جديدة علينا أن نتآلف معها، لكي ندرك أين أصبحنا.
كانت الجائحة درساً، أو مجموعة دروس هائلة. فالإنسان الذي هددت حضارته جرثومة رهيبة غير مرئية، هو أيضاً الذي صنع في سرعة قياسية لقاحاً مانعاً وأدوية شافية. وهو أيضاً جاء من الصين وروسيا وأميركا والمانيا إلى جبهة واحدة لمحاربة عدو واحد. ذلك هو العصر الذي دخلناه: عالم يجب ألا يفقد خضرته لكي لا يفقد حياته.