بكين تحتضن التفاهمات الدولية  وترعى الحلم الفلسطيني بالوحدة

بكين تحتضن التفاهمات الدولية وترعى الحلم الفلسطيني بالوحدة

بكين تحتضن التفاهمات الدولية وترعى الحلم الفلسطيني بالوحدة

 العرب اليوم -

بكين تحتضن التفاهمات الدولية  وترعى الحلم الفلسطيني بالوحدة

بقلم - جورج شاهين

منذ سنوات قليلة تحولت العاصمة الصينية موقعاً لإطلاق التفاهمات الدولية في عدد من الأزمات. فبعد المفاجأة الكبرى بـ "اعلان بكين" الخاص بالأزمة السعودية ـ الايرانية التي طال انتظار اي مخرج لها، أطلّت في الأمس بإعلان آخر"لإنهاء الانقسام وتعزيز الوحدة الفلسطينية". وكل ذلك يجري على وقع الحديث عن اعلان محتمل يسعى القادة الصينيون اليه بهدف إنهاء الحرب الاوكرانية ـ الروسية. وعليه، ما هي قيمة هذه  التفاهمات ومن يحضنها؟ وهل هي مجرد "إعلان نيات" أم أنّها حلم قابل للتنفيذ؟
في العاشر من آذار 2023 فوجئ العالم بالإعلان من بكين عن "وثيقة تاريخية" للتفاهم بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الاسلامية الايرانية برعاية صينية، من اجل عودة العلاقات الديبلوماسية بين الرياض وطهران المقطوعة قبل 7 سنوات تقريباً، وإعادة فتح سفارتيهما وممثلياتهما خلال مدة أقصاها شهرين، مع تأكيدهما احترام سيادة الدول وعدم التدخّل في شؤونها الداخلية، وتفعيل سلسلة الاتفاقيات المعقودة بينهما منذ العام 1998 بما فيها السياسية والديبلوماسية، وتلك الخاصة في مجال الاقتصاد والتجارة والاستثمار والتقنية والعلوم والثقافة والرياضة والشباب. مع تعهّدهما بالسعي الدائم "لتعزيز السلم والأمن الإقليمي والدولي واحترام سيادة الدول وعدم التدخّل في شؤونها الداخلية وتفعيل اتفاقية التعاون الأمني الموقّعة بينهما عام 2001".
قبل تلك اللحظة، التي حاول البعض استغلالها لأغراض دولية واقليمية مختلفة، عدا عن تلك التي تنبأت بأفول أدوار الدول الكبرى، ولا سيما  منها الولايات المتحدة الاميركية وروسيا الاتحادية عن المنطقة، كانت كل المراجع الديبلوماسية والاستخبارية تتساءل عن الظروف التي دعت الى الكشف عن وثيقة التفاهم هذه، والاسباب التي دفعت الى اختيار الصين منصّة لرعايتها، على رغم من الجهود التي بُذلت لسنوات بعيداً منها. فقد كانت بغداد اول من رعت اللقاءات الاولى بين الطرفين سراً، قبل ان تتكشف مساعيها قبيل الجولة الثالثة من المفاوضات الجارية على المستويين الامني والاستخباري. علماً انّ آخرها كان اللقاء الخامس بينهما في 23 نيسان 2022، حيث تقرّر فيها الانتقال بها إلى المستوى الديبلوماسي بين البلدين، فغابت التحضيرات التي تلتها حتى الإعلان عن وثيقة بكين.
وقبل الانتقال الى البحث عن الدور الصيني في هذه الاتفاقية، كان رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي آنذاك قد وفق في أن يتجاوز الطرفان حادثة اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الايراني قاسم سليماني في بغداد، وهو الذي قصدها حاملاً معه - كما قيل في حينه - الصيغة النهائية للتعديلات الايرانية المقترحة على شكل ومضمون التفاهم الذي تمّ التوصل إليه. وكان ذلك قبل ان يتقّرر باقتراح سعودي - كما تردّد في حينه - اختيار بكين لتكون المنصة الدولية للإعلان عن هذا الإتفاق. وقيل يومها ايضاً، نقلاً عن مراجع ديبلوماسية ايرانية وسعودية رفيعة، ان طهران قبلت بالعرض السعودي بتسميتها، لعدم القدرة على اختيار اي عاصمة أخرى بالحجم المطلوب لرعاية الاحتفال بالتوصل الى مثل هذا التفاهم.
وفي التفاصيل التي كشفت عنها مصادر ديبلوماسية عراقية واميركية كانت على خط المفاوضات في المراحل الاخيرة، انّه لم يكن وارداً ان تقبل طهران باختيار واشنطن في ظل العقوبات المفروضة عليها منذ سنوات. ولم يكن وارداً اختيار موسكو للغاية عينها وهي منشغلة بغزو اوكرانيا، ولم تنته بعد من معالجة الأزمة السورية. ولذلك كان الخيار ان تكون بكين تلك المنصة من دون ان يطالبها اي من الطرفين بأي ضمانات. فقد تعهّدا أمام الراعي الصيني بتشكيل الفرق المتخصصة في كل القطاعات لترتيب العلاقات وتصفير المشكلات، كما ما بين حلفاء الطرفين، ولا سيما منها الحرب في اليمن وطريقة الخروج منها. فقد كانت الرياض تعيش الصدمة الناجمة عن قصف منشآت "آرامكو" وطاولت الصواريخ البالستية منشآت اماراتية جوية ومدنية، وهي تهدّد معظم مدن الخليج الداعمة للسعودية، عدا عن أحداث البحرين وشرق المملكة العربية السعودية، حيث الحضور الشيعي المتضامن مع ايران والحوثيين.
هذا على مستوى التفاهم السعودي ـ الايراني. اما وقد ظهرت مجموعة الاسباب الموجبة لاختيار بكين، فقد انتقلت المصادر الديبلوماسية لتقدّم رواية مماثلة للتفاهم الفلسطيني ـ الفلسطيني، فلم يكن على حدّ علم المراجع الديبلوماسية الدولية انّ للصين دوراً في هذا المجال. الّا انّ الظروف التي رافقت المفاوضات البينية بين مجموعة الفصائل قادت الى اختيار الصين مرّة اخرى. ذلك انّه لا بدّ من استعراض المراحل التي قطعتها المفاوضات بين الطرفين وخصوصاً عقب عملية "طوفان الأقصى" بعدما بات التفاهم بين السلطة الممثلة لمنظمة التحرير والفصائل الأخرى مطلوباً وخصوصاً مع حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي" اللتين تسيطران على غزة قبل العدوان عليها، بهدف مواكبة المشاريع المطروحة لـ "اليوم التالي" في القطاع وطريقة إعادة الربط بينه وبين الضفة الغربية تحت عباءة الوحدة الفلسطينية التي تغلّف السلطة المعترف بها دولياً، بعد نضال استمر عشرات السنوات قبل ان يتوّجها اتفاق أوسلو منذ العام 1993.
على هذه القاعدة، توسعت المصادر الديبلوماسية في اعادة التذكير بالجهود المصرية للوحدة بين الفلسطينيين قبل أحداث غزة بأربعة أشهر على الأقل. فهي التي استضافت مؤتمراً للأمناء العامين للفصائل في القاهرة نهاية حزيران العام الماضي، ثم واكبتها موسكو وأنقرة بلقاءات ومساعٍ مماثلة في تموز، قبل ان تنتقل المساعي الى الدوحة والقاهرة، وما جرى على هامش القمة العربية ـ الاسلامية الاستثنائية في شباط الماضي، والتي لم تنته الى اي فكرة واضحة تؤسس لتفاهم سياسي فلسطيني داخلي. ولذلك جاء التفاهم في "وثيقة بكين" على تشكيل "حكومة وحدة فلسطينية" ليذكّر بما انتهت إليه مفاوضات الدوحة في آذار الماضي، التي قالت بتشكيل "حكومة وحدة وطنية محايدة"، وزراؤها من التكنوقراط، على ان تتمثل غزة بنسبة عالية من أعضائها. وقد سارعت السلطة الفلسطينية الى ترجمة هذا التفاهم بتشكيلة يرأسها  الخبير الاقتصادي محمد مصطفى بعد أسبوعين من تكليفه المهمّة. وجاءت بتركيبتها خالية من اي تمثيل للفصائل الفلسطينية كما كان يجري من قبل، فجمعت 23 وزيراً من الاختصاصيين ثلث اعضائها على الأقل من غزة. وأقسمت اليمين الدستورية أمام الرئيس محمود عباس في اول نيسان، وقال بيانها بضرورة إجراء إصلاحات في مؤسسات السلطة الفلسطينية، لطالما طالبت بها الولايات المتحدة وجهات دولية أخرى، تمهيداً لمرحلة ما بعد الحرب في قطاع غزة.
عند هذه المعطيات، يتحدث العارفون عن مرحلتين من المفاوضات في بكين، انتهت الثانية بالتفاهم الذي أعلن الاثنين الفائت بما تضمنه من تفاهمات سياسية وطنية وامنية وادارية واخرى تتعلق بعلاقة السلطة الفلسطينية مع اسرائيل، عدا عن الثوابت التي تجمع عليها كل الفصائل بلا استثناء، وخصوصاً تلك التي تُعنى بحرّية تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس ضمن حدود العام 1967، الى ما هنالك من تفاهمات في إطارات مختلفة.
وبناءً على كل ما تقدّم، ينتظر المراقبون أياماً قليلة لمعرفة طريقة التعاطي الدولي واسرائيل مع التفاهم الجديد الذي تجاهل المراحل التنفيذية والمهل الفاصلة بين مرحلة واخرى، وهي نقطة ضعف كبيرة وخطيرة جداً، لصعوبة التقدير في إمكان ترجمتها. فليس واضحاً انّ هناك اي ضمانات دولية او اقليمية خارج الضمانات الصينية التي تسعى الى تفاهم روسي ـ أوكراني، وهو ما يرفع من منسوب المخاوف من ان يتحول "التفاهم الفلسطيني" الى "وثيقة نيات" لا ترقى الى "تفاهم نهائي" يمكن رؤيته أمراً واقعاً يحقق "الحلم بالوحدة الفلسطينية".

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بكين تحتضن التفاهمات الدولية  وترعى الحلم الفلسطيني بالوحدة بكين تحتضن التفاهمات الدولية  وترعى الحلم الفلسطيني بالوحدة



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 20:58 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الأميركي يقصف مواقع عسكرية في صنعاء

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

موسكو تسيطر على قرية بمنطقة أساسية في شرق أوكرانيا

GMT 14:19 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إلغاء إطلاق أقمار "MicroGEO" الصناعية فى اللحظة الأخيرة

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وفاة جورج إيستام الفائز بكأس العالم مع إنجلترا

GMT 17:29 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سائق يدهس شرطيا في لبنان

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إصابات بالاختناق خلال اقتحام الاحتلال قصرة جنوبي نابلس
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab