بقلم : سليمان جودة
واجهت الدولة المصرية موقفين متتابعين، وكان عليها أن تتعامل معهما بطريقة لا تؤدى إلى مشكلة مع الطرف الآخر.
كان الموقف الأول عندما أعلن الرئيس ترامب أنه أجرى اتصالًا تليفونيًا مع الرئيس السيسى، وأن الاتصال قيل فيه كذا وكذا. ولأنه لم يكن هناك اتصال ولا كذا أو كذا، فإن الرد كان لا بد منه، وكان أيضًا لا بد من رد قوى ولكن بهدوء.. وهذا ما حدث.. وصدر بيان عن مصدر رفيع فى الدولة يقول إن الاتصالات بين الدول على هذا المستوى لها طريقة للإعلان عنها.
وكما ترى.. فالبيان يقول كل ما أردنا أن نقوله، ولكن بطريقة دبلوماسية تترك للمتابع أن يفهم أن الدولة المصرية ليس لديها ما تخفيه إذا كان قد جرى اتصال من هذا النوع، أو كان الاتصال قد جرى على هذا المستوى.
ثم كانت الدولة على موعد مع موقف آخر حين أعلن الرئيس الأمريكى أنه يريد نقل الفلسطينيين من غزة إلى مصر والأردن.. وهو لم يعلن ذلك لمرة واحدة، ولكنه عاد لسبب غير مفهوم إلى تكرار المعنى ذاته فى مناسبة تالية.
وكان لا بد من رد، وكانت وزارة الخارجية المصرية جاهزة، وكان الدكتور بدر عبد العاطى، وزير الخارجية، مستعدًا بما يرى أنه لا بد أن يقال.. ورغم أن ما قيل فى مقام الرد من جانب وزارة الخارجية كان كافيًا، إلا أنه ما قيل أمريكيًا كان على مستوى رئاسى، وبالتالى، كان لا بد من رد آخر على المستوى الموازى عندنا.
وكانت زيارة الرئيس الكينى للقاهرة منصة مناسبة لإطلاق الرد الآخر المرتقب، وقد قيل بطريقة دبلوماسية كالطريقة السابقة.. وليس هناك شك فى أن «الرسالة» التى ترغب القاهرة فى أن تصل إلى واشنطون قد وصلت مسجلة بعلم الوصول.
ما يميز الدبلوماسية كلغة أنها تتيح مساحة للتعامل بين الدول دون إحداث مشكلات كبيرة، وما يميزها كذلك أنها تستخدم أهدأ العبارات فى التعبير عن أقوى المواقف، وأنها ترتدى قفازات من حرير فى تسديد ما تريده إلى الطرف الثانى، وأنها تنطق بجملة أحيانا وهى تقصد شيئًا خفيًا وراءها، وأنها توظف قدرات التعامل والتفاعل فى مكانها المضبوط. ولو أنك تأملت لغتنا فى الحالتين فسوف تجد أنها كانت لغة دبلوماسية عالية، وأنها راعت أن الطرف الآخر هو أمريكا، وأن اللغة لا مفر من أن تكون دبلوماسية وأن تكون عالية.. ولذلك أظن أنه قد جرى حساب الموقفين للدولة لا عليها.