رُبّ غُمّة أحيت أُمّة

رُبّ غُمّة أحيت أُمّة

رُبّ غُمّة أحيت أُمّة

 العرب اليوم -

رُبّ غُمّة أحيت أُمّة

بقلم : سليمان جودة

 

كان الشاعر نزار قباني يكتب مقالاً على صفحة كاملة في مجلة أسبوعية، وكانت المجلة تُطبع في أوروبا، وكانت إذا جاءت لتدخل إحدى الدول العربية جرى استبدال مقال نزار، لتوضع في مكانه صورة باسمة لحاكم تلك الدولة في ذلك الوقت.

وعندما كتب الشاعر الراحل قصته مع الشعر والنثر روى الحكاية كما حدثت، ثم قال: «إن الرئيس صاحب الصورة كان يتوحم على صفحتي!».

وإذا أخذنا بالقياس مع الفارق، فإن رئيس وزراء كيان الاحتلال بنيامين نتنياهو يتوحم على التطبيع مع المملكة العربية السعودية، ولا يجعل فرصة تفوت إلا ويعود فيها إلى موضوع التطبيع مع المملكة بالذات. وإذا شاءت الأقدار أن يرحل عن الحكومة أو عن الدنيا بغير أن يقع التطبيع الذي يريده، فسوف يرحل وفي نفسه شيء مما عاش يتطلع إليه ولم يدركه.

كان يتوحم على ذلك في فترة الرئاسة الأولى للرئيس الأميركي دونالد ترمب، وكان يتصور وقتها أن هذا التطبيع يمكن أن يكون حلقة من حلقات اتفاقيات السلام الإبراهيمي الشهيرة، وهي اتفاقيات تبناها ترمب في تلك الفترة وتخيل أن قطارها يمكن أن يصل الرياض، التي كانت تبعث الرسالة بعد الرسالة إلى مَن يعنيه الأمر في الولايات المتحدة والدولة العبرية معاً.

كانت الرسائل كلها تقول إن تطبيعاً مع المملكة لن يكون بالمجان، وإنه تطبيع له ثمن، وإن هذا الثمن هو قيام دولة فلسطينية مستقلة على الأراضي المحتلة عاصمتها القدس الشرقية، وإن تطبيعاً قبل ذلك لن يكون مهما كانت الضغوط، وإن على الذين يمارسون هذه الضغوط أن يوفروا وقتهم وجهدهم؛ لأن موقف الحكومة بالرياض في القضية ليس محل مساومة.

وعندما صدر بيان عن وزارة الخارجية السعودية في الخامس من هذا الشهر، فإنه أعاد وضع النقاط فوق حروفها في القضية من جديد، وقطع الطريق على كل الذين يمكن أن يتصوروا أن الموقف السعودي قد لان أو تراجع، وقال البيان بكلمات لا تحتمل اللبس إن الموقف جرى إبلاغه للإدارة الأميركية الحالية، بمثل ما حدث بالضبط مع الإدارة السابقة.

وعندما أطلق رئيس حكومة الاحتلال في تل أبيب ما أطلقه تجاه السعودية مؤخراً، فإنه كان مدفوعاً فيما قاله بألم شديد مما حواه البيان، وكان الغيظ يقتله؛ لأن موقف الرياض في الموضوع لا يفاصل، ولا يجادل، ولا يساوم.

وحين أطلق خياله في موضوع التهجير فقال ما قال، تبين له أنه وقع في شر أعماله؛ لأنه ما كاد يطلق هذا الكلام الفارغ حتى كان التعاطف مع السعودية قد ملأ العالم العربي ومعه العالم الإسلامي. فلا توجد دولة عربية أو إسلامية إلا وصدر عنها استنكار شديد اللهجة لمثل هذا الكلام الذي لا يمكن أن يخرج عن رجل مسؤول.

تماماً كما أن حديث ترمب عن تهجير الفلسطينيين من غزة إلى مصر والأردن، قد استنفر الشارعين العربي والإسلامي مع الحكومتين في البلدين، وأطلق فيضاناً من الهجوم الحاد على الرئيس الأميركي، الذي بدوره تكلم بما لا يليق برجل مسؤول عن أقوى الدول.

ثم إذا كان الكلام عن مساحات واسعة من الأرض، فالولايات المتحدة لديها الكثير من المساحات، بل والكثير جداً، وهي تستحوذ وحدها على ما يقرب من تسعة ملايين كيلومتر مربع، وتستطيع أن تستضيف الإسرائيليين في ولاية كاليفورنيا التي تفوق مساحتها مساحات دول كثيرة حول العالم، وساعتها سوف يهدأ هذا العالم ويستريح؛ لأنه لا شيء وراء هذا الصخب الذي يستولي على أركان الأرض إلا القضية الأم في منطقة الشرق الأوسط، أي القضية الفلسطينية، التي بدأت بوعد من وزير الخارجية البريطاني بلفور، فأعطى ما لا يملكه إلى يهود لا يستحقون، ثم وصلت إلى وعد من ترمب أقرب إلى المستحيل منه إلى أي شيء آخر.

أهم ما قيل في أميركا عن هلوسات ترمب ونتنياهو عن التهجير، هو ما قاله السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، الذي وصف ما قاله الرئيس الأميركي بأنه: غير عملي. إنهما كلمتان اثنتان، لكنهما تلخصان القصة كلها، وتقولان إن التهجير لن يكون لأنه غير ممكن، وعندما يصمم ترمب على الحديث في غير الممكن ثم العودة إليه، فهو في الحقيقة يبدد الوقت والجهد فيما لا جدوى من ورائه ولا عائد ولا فائدة.

ولا ينطبق شيء على هذا التوحد الرسمي والشعبي في عواصم العرب ضد ما يخرج عن ترمب ونتنياهو معاً، إلا العبارة التي تقول: رُبّ غُمّة أحيت أُمّة.

arabstoday

GMT 11:58 2025 الخميس ,13 شباط / فبراير

حتى الزعيم كيم

GMT 11:57 2025 الخميس ,13 شباط / فبراير

سعد بريشة العقاد

GMT 11:54 2025 الخميس ,13 شباط / فبراير

التغيير السوري.. من لبنان إلى الجزائر!

GMT 11:53 2025 الخميس ,13 شباط / فبراير

مشروع رفيق الحريري… هزم القتلة!

GMT 11:46 2025 الخميس ,13 شباط / فبراير

درس في الاعلام

GMT 11:44 2025 الخميس ,13 شباط / فبراير

زيارة إلى متحف الأبدية

GMT 11:42 2025 الخميس ,13 شباط / فبراير

غزة لن تكون صفقة عقارية ولا «ريفييرا» أميركية

GMT 11:40 2025 الخميس ,13 شباط / فبراير

روح الهويّة... وهويّة الروح

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رُبّ غُمّة أحيت أُمّة رُبّ غُمّة أحيت أُمّة



GMT 11:54 2025 الخميس ,13 شباط / فبراير

التغيير السوري.. من لبنان إلى الجزائر!
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab