بقلم : سليمان جودة
ربما يلاحظ الذين يتابعون الأحوال فى لبنان، أن المتظاهرين هناك رفعوا شعارًا يطلب استقالة الرؤساء الثلاثة!.. وهو مطلب لن تجده مرفوعًا لدى أى متظاهرين آخرين، رغم كثرة المظاهرات التى تملأ العالم من حولنا، بدءًا من بريطانيا فى شمال أوروبا، إلى إسبانيا فى جنوبها، إلى تشيلى فى أمريكا الجنوبية.. فالتظاهر هذه الأيام يبدو وكأنه عدوى تقفز فوق الحدود ولا تعترف بها!.
فمن هُم الرؤساء الثلاثة فى لبنان؟!.. إنهم ميشيل عون، رئيس الجمهورية، وسعد الحريرى، رئيس الحكومة، ونبيه برى رئيس البرلمان!.
ورغم أنه لا يكاد بلد فى الأرض يخلو من هذه المناصب الثلاثة، إلا أنك لن تجد عبارة «الرؤساء الثلاثة» إلا فى لبنان.. والسبب أن كل واحد منهم ينتمى إلى طائفة.. ولا تعرف والحال هكذا، ما إذا كان الذين يقولون عنهم إنهم الرؤساء الثلاثة يقصدون أنهم رؤساء لبنان، أم رؤساء طوائف ثلاث فى لبنان؟!.
والسؤال استنكارى بالطبع وليس استفهاميًا.. فالمقصود بالعبارة أنهم رؤساء طوائف ثلاث، لا رؤساء بلد، لأنه لا يوجد بلد برؤساء ثلاثة.. فأى بلد يحكمه رئيس واحد.. لا ثلاثة بأى حال!.
وهذا هو أصل كل مشكلة فى لبنان، لأن نظامًا كهذا، أيًا كانت مبرراته، وأيًا كانت أسبابه، يجعل من كل رئيس من الرؤساء الثلاثة رئيسًا لطائفة.. لا رئيسًا لبلد!.. ويجعل عمل كل فرد من أفراد الطائفة يتم من أجلها هى، لا من أجل البلد الذى يضم الجميع ويحتويهم.. أو هكذا يجب ونفترض!.
طبعاً.. هذه التقسيمة لها دواعيها التاريخية والواقعية المفهومة، ولكنها كانت ولا تزال طريقًا إلى صداع لا ينتهى فى البلد.. ولا حل اليوم، أو غداً، أو بعد غد، سوى أن يكون اختيار رئيس الجمهورية فى بيروت على أساس واحد هو أنه مواطن لبنانى يحمل جنسية بلده.. وكذلك رئيس الحكومة.. ومن بعده رئيس البرلمان.. إن لبنانية كل مواطن لا بديل عن أن تعلو كل ما عداها.. فإذا ثبت أن صاحب المنصب- أى منصب- يقدم طائفته على وطنه، فهو لا يستحق المنصب ولا يجوز أن يبقى فيه!.
هذا ما أفهمه.. وهذا هو المنطق فى لبنان وفى غير لبنان.. فالانتماء لابد أن يكون للوطن على اتساعه.. وللبلد فى مجمله.. وللأرض داخل الدولة على امتدادها.. لا لطائفة، ولا لجماعة، ولا لقبيلة، ولا لعصبة، ولا لشىء من هذا النوع على الإطلاق!.
لبنان.. ما دمنا نتكلم عنه.. لا بد أن يكون مرجع كل انتماء.. هذه هى البداية إلى التعافى الحقيقى، وهى أيضًا روح لبنان التى تحميه وتحفظه!.