بقلم : سليمان جودة
ما أبعد المسافة بين قمتين، إحداهما انعقدت فى مدريد يوم ٨ من هذا الشهر، والأخرى تنعقد فى القاهرة يوم ٢٧ من الشهر.
ذلك أن موضوعهما واحد تقريبا، ولكن العين التى تطلعت بها قمة مدريد إلى الموضوع ليست هى أبدا العين التى تتطلع بها قمة القاهرة إلى الموضوع نفسه، بل إنهما قمتان على النقيض، لأن الأولى انعقدت لتقول للرئيس الأمريكى ترامب «نعم» بملء الفم. أما الثانية فتنعقد لتقول «لا» بأقوى صوت.
فى مدريد، التقى عدد من رموز التطرف السياسى الأوروبى، لا ليكبحوا جماح ساكن البيت الأبيض، ولا لينصحوه بأن يهدئ من سرعته، أو يُلطّف من نبرته، أو يغير من لغته، ولكن ليقولوا إنه بالنسبة لهم فى منزلة المثل الأعلى!.
وفى قاهرة المعز، يلتقى القادة العرب ليقولوا للرئيس الأمريكى إن ما يعمل على الترويج له مع رئيس حكومة التطرف فى تل أبيب لن يكون، وإن الفلسطينيين الذين يُراد لهم أن يغادروا غزة لن يغادروها، لأنهم ليسوا مهاجرين إليها ليتم ترحيلهم عنها كما فعل ترامب ويفعل مع المهاجرين غير الشرعيين إلى بلاده.
فى مدريد، راحت رموز التطرف السياسى الأوروبية تقلد الرئيس الأمريكى وربما تُزايد عليه، لأنه إذا كان قد دخل البيت الأبيض رافعا شعار «أمريكا أولا»، فإنهم هُم أيضا يرفعون شعارا يقول «أوروبا أولا».. فالتطرف مِلّة واحدة.. تماما كما قيل من قبل عن الكُفر إنه ملة واحدة.
فى القاهرة، تدعو المحروسة إلى قمة عربية طارئة، ليفهم سيد البيت الأبيض أن الموقف الرافض للفصال فى قضية تهجير الفلسطينيين ليس موقفا تتبناه مصر وحدها، ولا الأردن بمفردها، لكنه موقف موحد يلتقى الرؤساء العرب تحت مظلته الجامعة.
فى مدريد، كانت الأجواء التى أحاطت بالقمة كأنها الأكسجين الذى يمكن أن يتنفس به التطرف السياسى فى الإدارة الأمريكية، وكان المتحلقون حول مائدة الاجتماع كأنهم يتامى يبحثون عن أب شرعى للتطرف فى القارة الأوروبية، وكانوا كأنهم قد وجدوا هذا الأب فى صورة الرئيس الأمريكى الذى فاجأ العالم ويفاجئه بما لا يحتمله ولا يطيقه.
فى قمة قاهرة المعز، سيسمع ترامب ما لا يريد أن يسمعه منذ أطلق مزحة التهجير، وسيرى أن أرض فلسطين ليست عقارا يرثه هو أو يورثه لسواه.