شبح يتراءى في تل أبيب

شبح يتراءى في تل أبيب

شبح يتراءى في تل أبيب

 العرب اليوم -

شبح يتراءى في تل أبيب

بقلم - سليمان جودة

عاش الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر يقول إن الإنسان إذا جاء الدنيا فإن الشيء الوحيد المؤكد في حياته هو أنه سوف يموت.

وبالقياس، فإن الحرب الوحشية الإسرائيلية على قطاع غزة، إذا كانت قد دخلت شهرها التاسع في السابع من الشهر الجاري، فإن أشياء لا حصر لها فيها لا تزال موضع خلاف وستظل، ولكن الشيء الوحيد الذي لا خلاف عليه حولها هو أنها سوف تتوقف، والتوقف المؤكد فيها هو بالضبط كالموت المؤكد أيضاً في آخر مسيرة كل إنسان.

سوف تتوقف الحرب في الغد، وإذا لم يكن ذلك في الغد ففي بعد الغد، وبالمعنى العام لا الخاص لكلمة الغد، وحين تضع الحرب أوزارها سوف يكون لها ما بعدها، تماماً كما كان لها ما قبلها، وسوف يكون توقفها أقرب ما يكون إلى حركة الجَزر على شاطئ ممتد إلى ما وراء الأفق. لقد كان المد فيها هو انطلاقها يوم «طوفان الأقصى»، وسيكون الجَزر في المقابل هو انحسار موجتها العاتية التي أغرقت كل ما صادفها على الشاطئ وبغير أن تستثني شيئاً.

وفي العادة، فإن حركة الجَزر تُخلّف وراءها كثيراً من الأشياء والبقايا على كل شاطئ، ولا ينحسر ماء البحر بين مد وجَزر إلا ويتكشف الشاطئ عمَّا لم نكن نراه في حينه، فنجد أننا أمام ملامح واقع لم يكن يبدو في أي جانب من جوانبه.

سوف تتوقف هذه الحرب، وسوف يكون توقفها هو الحقيقة الوحيدة المؤكدة فيها، وسوف تكون عبارة «اليوم التالي» هي العبارة الوحيدة الباقية من بين طوفان العبارات التي قيلت فيها منذ إطلاقها ولا تزال. وسوف تتحول هذه العبارة أو المصطلح الذي شاع وانتشر، من مجرد مصطلح راح يتردد عن المستقبل في أنحاء القطاع بعد أن تتوقف المدافع، إلى واقع حي يعيشه العالم الذي كانت الحرب اختباراً له أكثر مما كانت أي شيء آخر.

ولا تعرف لماذا اقتصر البحث في «اليوم التالي» على غزة فقط، مع أن اليوم نفسه في إسرائيل كان أجدر بالبحث والتقصي والتوقع، لا لشيء، إلا لأن كل محاولات التخيل لهذا اليوم في غزة فيما بعد الحرب، كانت في كل مرة تعود بالمتخيلين والباحثين إلى المربع الأول. لقد قيل مثلاً إن اليوم التالي في القطاع يمكن أن يكون بملامح إسرائيلية لفترة، ثم تبين أن هذا غير ممكن، وإذا كان ممكناً فهو غير مقبول. وقيل إنه يوم يمكن أن يكون بملامح دولية، ثم اتضح أن هذا يصادف رفضاً من الغزاويين الذين هُم أصحاب الشأن والقضية. وقيل إنه يوم يمكن أن يكون بملامح عربية، ثم ظهر أن الطرف العربي يأبى هذا ولا يتقبله ولا يستسيغه...

قيل الكثير في هذا الاتجاه، ولكن الشيء الذي بقي في النهاية أن اليوم التالي في غزة إذا لم يكن فلسطينياً فسوف يكون الإخفاق هو نصيبه في الآخر، وسوف يكون الفشل في انتظاره، ولن يكون له نصيب من النجاح على الأرض مهما تعددت المحاولات، لأن أرض القطاع فلسطينية الأصل والطابع، ولا ينبت فيها إلا ما هو فلسطيني يعرف الأرض وتعرفه.

المشكلة ليست في اليوم التالي فلسطينياً، فهذا يوم أمره محسوم تقريباً لأنه لن يكون إلا يوماً فلسطينياً لحماً ودماً، وإنما المشكلة وربما المعضلة في اليوم التالي عالمياً ثم فيه إسرائيلياً بالذات، ولم يكن طول أمد الحرب كل هذه المدة إلا هروباً على مستوى بنيامين نتنياهو من شكل اليوم التالي بالنسبة له على الأقل في بلاده.

يتطلع نتنياهو وراءه فلا تقع عيناه، وهو في حالته، إلا على لجنة أغرانات التي استدعت الساسة والقادة في تل أبيب، ثم أرسلتهم إلى العدالة، ولم تشأ أن تستثني أحداً؛ من غولدا مائير إلى أصغر مسؤول في حكومتها، وكان السؤال عن مسؤولية كل واحد فيهم على حدة، ثم مسؤوليتهم جميعاً، عن الهزيمة التي لحقت بإسرائيل في حرب يوم الغفران الشهيرة بأكتوبر (تشرين الأول) 1973.

ويتطلع حوله فلا يرى إلا مطالبات ودعوات إلى «أغرانات 2024» لإرساله هو والذين معه إلى العدالة، ولكن السؤال هذه المرة عن المسؤولية عن هجوم طوفان الأقصى. وقد كان بيني غانتس، الوزير المستقيل من حكومة الحرب، هو آخر الذين جددوا الدعوة في هذا الاتجاه.

يتطلع نتنياهو وراءه وحوله فلا يرى إلا ذلك، ولا يملأ عليه دنياه إلا شبح شيء مخيف اسمه «اليوم التالي في إسرائيل» وليس حديثه الذي لا يتوقف عن اليوم التالي في غزة إلا محاولة للهروب من «يوم تالٍ آخر» عنده. إنه يوم يراه رئيس وزراء إسرائيل في منامه بمثل ما يتعثر به في يقظته.

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

شبح يتراءى في تل أبيب شبح يتراءى في تل أبيب



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 06:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

1000 يوم.. ومازالت الغرابة مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:49 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الاتحاد الأوروبي يؤجل عودة برشلونة إلى ملعب كامب نو

GMT 14:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئاسة الفلسطينية تعلّق على "إنشاء منطقة عازلة" في شمال غزة

GMT 06:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا لـ3 مناطق في جنوب لبنان

GMT 12:26 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنائية الدولية تصدر مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت

GMT 13:22 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الإيراني يناشد البابا فرانسيس التدخل لوقف الحرب

GMT 13:29 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

رئيس دولة الإمارات وعاهل الأردن يبحثان العلاقات الثنائية

GMT 14:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 06:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نتنياهو يعلن عن مكافأة 5 ملايين دولار مقابل عودة كل رهينة

GMT 14:17 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نادين نجيم تكشف عن سبب غيابها عن الأعمال المصرية

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 23:34 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

يسرا تشارك في حفل توقيع كتاب «فن الخيال» لميرفت أبو عوف

GMT 08:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

تنسيق الأوشحة الملونة بطرق عصرية جذابة

GMT 09:14 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات أوشحة متنوعة موضة خريف وشتاء 2024-2025

GMT 06:33 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صهينة كرة القدم!
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab