انطلقت حشود الشعب الفلسطينى كأنها براكين انطلقت من الأرض، ولم تكن الحرب فقط هى طوفان الأقصى، ولكنها كانت مقدمة تشبه براكين الغضب ضد ما يجرى من المؤامرات لانتزاع شعب من أرضه وتاريخه ومستقبله.. كانت حشود العائدين إلى شمال غزة يومًا من أيام القيامة، سوف يسجله التاريخ كيف خرج هذا الشعب فى بركان غضب وفرح وإصرار على أن يتمسك بأرضه.. كانت صور العابرين بين الرمال والأمطار، والبحر يحتضنهم فى لحظة شوق وانتصار، تضع هذا الشعب فى مكان لم يشهده العالم من قبل..
ـــــ إذا كانت المظاهرات قد طافت عواصم العالم ترفض حرب الإبادة، فإن مشهد العودة إلى شمال غزة قدم للعالم صورًا لم يشهدها من قبل، كيف يكون عشق الأوطان موتًا وحياة وتضحية ودماء.. كانت صور أطفال غزة الذين نجوا من الموت تعانق على شاطئ البحر الصامد، الآلاف من الأطفال الذين عصفت بهم أيدى القتلة والجبناء.. كانت صور حشود أهالى غزة وهم يندفعون فى مواكب تشبه الجيوش المنتصرة، لحظة فريدة من الزمن.
ـــــ فقد تصور البعض أن الحرب حُسمت، وأن غزة دُمرت، وأن البيوت تهدمت، وأن القضية انتهت.. كانت هذه الحشود تحمل رسالة من شهداء غزة ورسالة من حشودها التى اندفعت تعانق الأرض والتراب والدمار والشواطئ.. كانت كلها رسائل إلى دعاة التهجير وتصفية القضية.. كانت صرخة فى وجه رئيس العالم ترامب وهو يطالب بتهجير سكان غزة إلى مصر والأردن، رغم أنه يعلم بأن مصر، رئيسًا وجيشًا وشعبًا، لن تقبل أبدًا تشريد الشعب الفلسطينى وتصفية قضيته وتهجيره من أرضه..
ـــــ لقد أكد الرئيس عبدالفتاح السيسى أن مصر لن تفرط فى حق الشعب الفلسطينى فى إقامة دولته على أرضه.. وفى سيناء كانت ملحمة البناء أمنًا ودفاعًا وإنتاجًا، وفى ربوعها الطاهرة انتشرت حشود جيش مصر دفاعًا عن الأمن والكرامة.. إن دماء شهداء مصر على تراب سيناء ما زالت ترفع راية النصر ، وقد قدمت آلاف الشهداء من أجل فلسطين.. إن الدعوة لتهجير أهل غزة مؤامرة مسمومة لن يقبلها أصحاب الأرض، وإذا كان الآلاف قد ماتوا فى سبيلها، فإن الملايين سوف يلحقون بهم دفاعًا عن الأرض والكرامة.
ـــــ إن حشود أهل غزة الذين عادوا إلى أطلال بيوتهم ومدارس أبنائهم ومساجدهم وكنائسهم فى مظاهرة سجلها التاريخ لتكون جزءًا من رحلة العودة إلى أرض الوطن لكل المهاجرين فى بلاد الله. إنها صورة حاضر سوف تصبح يومًا حقيقة أمام التاريخ.. إن حشود غزة التى انطلقت فى ساعات تجاوزت أعداد الجيش الإسرائيلي. من يصدق أن 300 ألف فلسطينى قد عبروا أطفالًا ونساءً ورجالًا لكى يعودوا إلى مدن مدمرة وبيوت من الأنقاض؟ إنها إرادة شعب يحب الحياة ومات فى سبيلها، لأن هذا الوطن يستحق الحياة.. إن ذئاب إسرائيل المذعورة تعوى الآن خوفًا من هذه الحشود ، وأصابها الرعب ليس من طوفان الأقصى ولكن من بركان الثأر والغضب الذى انطلق فى هذه المواكب التى احتشدت تعانق أرضها.
ـــــ إن حشود البشر التى شهدتها غزة وعودة الشعب الفلسطينى إلى بيوته ينبغى أن تكون درسًا لإسرائيل أن الأوطان ليست باتساع أرضها، ولكن الأوطان بقوة إرادتها وصمود شعبها وقدرتها على تحقيق الأمن والرخاء.. إن هذه الحشود والكتل البشرية لو غيرت مسارها واتجهت إلى تل أبيب لأسقطتها فى ساعات دون أن تُطلق رصاصة واحدة.. إن للصمود والإرادة قوة تتجاوز قوة الرصاص والقتل والإبادة.
ـــــ إن خيال الذئاب المتوحشة فى إسرائيل سوف يسبح بعيدًا الآن وهو يتصور هذه الحشود وهى تندفع نحو تل أبيب بلا سلاح أو رصاص.. لو أن هذه الحشود تدفقت نحو المدن الإسرائيلية وهى ترفع الرايات البيضاء ليس استسلامًا أو هزيمة ولكنه نصر وعودة.
كان جنود الجيش الإسرائيلى يبكون وهم يخرجون من أنقاض غزة ويقولون: حاربنا أكثر من عام كامل ولم نحقق نصرًا، ونخرج الآن فى ثياب الهزيمة.. لن يكون غريبًا أن يعلن جنود الاحتلال العصيان أمام قادتهم ويرفضوا العودة إلى الحرب، لأنهم لم يحققوا نصرًا يستحق الموت فى سبيله أمام حشود غزة التى اقتحمت كل شيء دون أن تحمل سلاحًا أو تهدم بيوتًا..
ـــــ إن النصر الحقيقى فى حرب غزة تجسد فى هذا المشهد التاريخى للعائدين إلى شمال غزة.. ليس المهم أن نعرف أعدادهم، ولكن صورهم غطت الشاشات فى كل بلاد الدنيا وهم يحملون على أكتافهم ما بقى لديهم من الماء والطعام.. ورغم هذا مشوا ساعات على أقدامهم وكأنهم يؤدون صلاة الفجر على أطلال غزة وهم يعانقون شواطئها فى لحظة شوق وإيمان.. لقد شاهد العالم ما حدث من ذئاب إسرائيل وأمريكا فى دمار غزة ، والآن يشاهد نفس الشعب فى لحظة انتصاره.. لأن النصر ليس فقط بالرصاص ولكنه بالصمود والإرادة.. إن حشود أهل غزة وهم يحتفلون بالنصر والعودة رسالة للعالم كله، أننا أمام شعب دافع عن أرضه وقدم آلاف الشهداء ولن يفرط فى حبة رمل، ولن يغادر أطلال غزة وسوف يموت على ما بقى منها..
ـــــ وعلى دعاة التهجير أن يسمعوا صوت ضمائرهم بعد أن شاهدوا حشود البركان البشرى الهادر الذى انطلق فى أرجاء غزة يعلن رفض البيع والصفقات والتهجير.. إن المؤكد الآن أن الشعوب العربية من حقها بل من واجبها أن تفخر بأن فيها شعبًا صان كرامتها ودافع عن شرفها وحمى إرادتها ورفض أن يكون لعبة فى أيدى المغامرين.. من حق شعب غزة وكل فلسطينى أن يفخر ويعتز بهذه اللحظة التاريخية لأنها جزء عزيز من قضيته ومصدر فخر لكل أجياله..
ـــــ كان موقف مصر واضحًا وصريحًا فى تصريحات الرئيس عبد الفتاح السيسى وبيان وزارة الخارجية وموقف البرلمان المصرى وفئات الشعب المختلفة وبيانات المفكرين والساسة ، ورفضهم التهجير والإصرار على قيام الدولة الفلسطينية.. وعلى جانب آخر، فإن رفض الأردن فكرة التهجير، وما أعلنته أكثر من عاصمة عربية ، يؤكد أن العالم العربى لن يقبل تلك الأفكار التى تسعى إلى إنهاء القضية الفلسطينية ، حتى لو كان الثمن تهجير شعبها خارج وطنه..أما نحن فى مصر فسوف تبقى قضية فلسطين الحلم والدولة والوطن تسرى فى دمائنا شعبًا وجيشًا ورئيسًا.
تهجير الفلسطينيين.. نهاية قضية ودمار شعب وسقوط أمة.