زيارة إلى اليمن الجريح

زيارة إلى اليمن الجريح

زيارة إلى اليمن الجريح

 العرب اليوم -

زيارة إلى اليمن الجريح

بقلم - عبد المنعم سعيد

خلال الأسابيع الثلاثة الماضية عرضت المقالات لثلاث حالات من إصلاح الدولة العربية: جمهورية مصر العربية، والإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية. ما يجمع الثلاث هي كلمة «العربية» أياً كان مكانها من مصفوفة اسم الدولة؛ ولكنها في الوقت نفسه تقدم رابطة ثقافية وتاريخية خلال المرحلة الأخيرة من تاريخ الدولة العربية الذي سبق أن أوردناه، بدءاً من ظهور ما سُمي «الربيع العربي» الذي زلزل المنطقة ضد نظم الحكم القائمة، وطبيعة الدولة السائدة.

وفي الحقيقة، فإن طرق الإصلاح أخذت مسارات مختلفة ومتنوعة في أصولها والطرق التي ذهبت إليها.

في مصر عاشت الدولة تجربة «الربيع المزعوم» من أوله إلى آخره؛ حيث شهدت «الشباب» في الميادين يتظاهرون دونما مشروع لهداية الدولة إلى مسار أفضل مما كانت عليه. وعاشت الدولة في التجربة الكاملة لحركة «الإخوان المسلمين» التي استولت على شارع «الثورة» ثم وصلت إلى الحكم دونما فكرة أو مشروع له علاقة بالدولة ومتطلباتها. وخلال هذا وذاك كان هناك دور خاص للقوات المسلحة المصرية التي هي عصب الوطنية والهوية المصرية، لكي تكون حافظة التغيير الأول والثاني، ولكن هذه المرة بمشروع إصلاحي عميق وسريع ومؤثر في التركيبة السياسية والاقتصادية المصرية.

الإمارات -كما هي العادة- قامت على أكتاف الآباء المؤسسين لها، وعندما حلَّ القرن الجديد جرى سعي جاد لكي تكون الدولة أكثر من تجمع. الإمارات اختارت أن تكون في اتحاد. نمت «هوية» الدولة من تجربة الحداثة والتغيير الذي جعل الدولة صيغة فريدة بين قريناتها من دول الخليج.

السعودية كانت المسافة بينها وبين حداثة القرن الحادي والعشرين كبيرة، ولم تكن هناك إلا ثورة إصلاحية واسعة النطاق تشمل السياسة والاقتصاد، وتغير الدولة والمجتمع إلى القرن الجديد؛ وبقدر ما جرى اكتشاف التاريخ السعودي بالعودة إلى ما قبل الإسلام، جرى الذهاب عميقاً إلى زمن «التأسيس» الأول لوصل السنوات والعصور.

التجارب الثلاث اختلفت في الأصول والصياغة، ولكنها في النهاية أقامت «الدولة» على أسس صلبة. وفي دول عربية أخرى عاشت التجربة نفسها على اختلافها في بقية دول الخليج والأردن والمغرب؛ حيث صمدت الدولة للزلزال، ومن بعدها وجدت أن أمور الدولة لا يمكنها أن تسير كما كانت عليه، وأن الإصلاح واجب. وقع ذلك في مقارنة صارخة مع دول عربية أخرى سقطت فيها الدولة، وعز قيامها مرة أخرى. المشاهد التي جرت في سوريا في حربها الأهلية المستمرة، وتمزقها إلى مناطق، وغزوها من دول مجاورة، وباختصار الحالة الكبيرة من الاستباحة لقوى أجنبية -دولاً وجماعات- والعجز عن تحرير أراضٍ محتلة. والمثال بعد ذلك جارٍ في ليبيا والسودان واليمن وفلسطين التي تمزقت أيضاً حتى قبل أن تقوم الدولة.

من الأمثلة الصارخة على ذلك، كان اليمن الشقيق الذي مر بتجربة عنيفة ومريرة، وهو البلد القديم الذي قيل عنه «السعيد» يوماً، وأصل العرب القحطانيين، والذي استقبلت فيه الملكة بلقيس طائر «الهدهد» الذي حمل إليها رسالة الملك النبي سليمان، واسم أكبر مدن اليمن «عدن» أتى من أسماء الجنة، حتى ولو قال مؤرخون إنها كانت في العراق.

في مطلع شهر أبريل (نيسان) الجاري، جرت الزيارة لليمن بدعوة كريمة من الدكتور رشاد العليمي، رئيس المجلس القيادي للحكومة الشرعية في اليمن؛ وبالنسبة لي ولزملائي المشاركين في الدعوة، كانت المقابلة والمواجهة الكبرى لا تزال جارية ما بين «الدولة» الشرعية والموحدة والإصلاحية، وما جرى في دول عربية أخرى، من تمزق الميليشيات المعتادة ذات الصبغة الراديكالية الدينية، والتي تحاول بالسلاح أخذ المجتمع إلى عصور قديمة.

النموذج النقي لهذه الحالة مصاب بالعنف، والرجعية، والعداء للأقليات والنساء والغرب والعالم المعاصر. من الناحية السياسية كان اليمن ممزقاً إلى ثلاث وحدات سياسية: الوحدة الأكبر والشرعية -لحسن الحظ- لا تزال مسيطرة على 80 في المائة من الدولة اليمنية؛ تسيطر على الجنوب اليمني من عدن حتى الحدود مع عُمان، مع أجزاء من الوسط والشمال الشرقي. الوحدة السياسية الأصغر هي للحوثيين، ومقرهم الأصلي إقليم صعدة، ومن خلال انقلاب استولت على صنعاء؛ العاصمة وغربها على الساحل؛ حيث ميناء الحديدة وموانٍ أخرى. الوحدة السياسية الثالثة تعبر عن أنصار جمهورية اليمن الشعبية الديمقراطية المنتشرين في عدن، وهم ممثَّلون في قيادة الدولة؛ لكنهم يخفون الرغبة في استعادة الجمهورية مرة أخرى.

التقسيم أو الرغبة فيه، هو أول سمات الكيانات السياسية العربية التي تولدت عن «الربيع المزعوم». وبالنسبة لليمن فإنه يمثل محاولات جادة تجري في العراق أيضاً، لاستعادة التماسك للدولة ضد محاولات التقسيم، وتغلغل النفوذ الإيراني كما هو معتاد. وفي الوقت الراهن فإن قوى الإصلاح تحاول بجدية -أولاً- استعادة الأمن والسيادة، وقدرة النظام السياسي على إصلاح التعليم والصحة والوظائف الأساسية للدولة، والتي من خلالها تولد الموارد الضرورية للتنمية والتغيير.

القصة اليمنية ربما سوف تحكي في النهاية عن مأساة جرت لبلد عربي شقيق وعريق، وبطولة المحاولة للخروج من حالة التمزق والشرذمة إلى الوحدة؛ ليس فقط في الداخل اليمني، وإنما للاندراج داخل مجموعة الدول العربية التي تشغلها التنمية والبناء. وثانياً استعادة التماسك إلى الدولة، والتي لا بد لها من الاعتماد على قوى وطنية متماسكة وموحدة، والقدرة على إقامة عمق أمني يسعى للتوحيد. وثالثاً استعادة الدولة تصبح ممكنة عندما يأتي الدعم الذي جاء في الحالة اليمنية من المملكة العربية السعودية؛ سواء كان ذلك من خلال «عاصفة الحزم» أو من خلال إقامة توازن إقليمي مع القوى الإقليمية التي أقامت تحالفها المشين مع الجماعات المنشقة والمتحالفة مع أشكال مختلفة من الراديكالية الإسلامية، التي لا تجد غضاضة في التحالف مع الجماعات الإرهابية.

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

زيارة إلى اليمن الجريح زيارة إلى اليمن الجريح



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 19:56 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع
 العرب اليوم - البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع

GMT 16:54 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا
 العرب اليوم - روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا

GMT 07:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف
 العرب اليوم - دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 19:23 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ميادة الحناوي تحيي حفلتين في مملكة البحرين لأول مرة
 العرب اليوم - ميادة الحناوي تحيي حفلتين في مملكة البحرين لأول مرة

GMT 07:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 10:18 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الوجدان... ليست له قطع غيار

GMT 09:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

كفاءة الحكومة

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 22:55 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل تتجه نحو اتفاق لوقف إطلاق النار في لبنان

GMT 21:25 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

هوكشتاين يُهدّد بالانسحاب من الوساطة بين إسرائيل ولبنان

GMT 10:02 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

اثنان فيتو ضد العرب!

GMT 11:05 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد صلاح يعبر عن استيائه من إدارة ليفربول ويقترب من الرحيل

GMT 08:16 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

"حزب الله" يعلن استهداف قوات إسرائيلية في الخيام والمطلة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab