بقلم - عبد المنعم سعيد
عقدة العقد فى حرب غزة أنه بعد أشهر من الحرب فإن كلا الطرفين عظم البطولات وأعلن النصر. حماس كان نصرها سهلا، فهو لم يحدث لأن فلسطين تحررت، أو أن غزو غزة قد رد على أعقابه، وإنما لأنها أولا صمدت؛ وثانيها لأن إسرائيل فشلت فى تحقيق أهدافها فى القضاء على حماس، وفى نزع المقاومة من الحلم الفلسطيني. كلا الطرفين ظل ينظر من زاويته الخاصة، إسرائيل تريد استمرار السيطرة على غزة أمنيا وسياسيا؛ وحماس لا ترى شيئا يمكن تغييره فهى سوف تستمر فى السيطرة على غزة. بين الحاضر والمستقبل ينظر العالم ويتطلع العرب على القدرات التى «يحتويها» اليوم التالي. الواقع الحالى دفع بقوة نظرة تقرر أن الطرفين الفلسطينى والإسرائيلى يريدان جميع الأراضى ما بين نهر الأردن والبحر المتوسط؛ ولكن إسرائيل لا تستبعد حملات للسيطرة على الضفة الغربية مع الاستمرار بالطبع فى ضم الجولان. حماس لا تستبعد أبدا أن ينفجر العالم العربى فى حرب جديدة مع إسرائيل تحظى بتأييد عالمى هذه المرة.
ولكن الدول العربية تعلم أن طريق الحرب شائك، وأن سبع دول عربية أنقذت القليل - الضفة للأردن والقطاع لمصر- من فلسطين عام ١٩٤٨. وبعد ثلاثة أرباع قرن لم تتغير توازنات القوى بل إن ست دول عربية باتت فى حالة سلام مع إسرائيل؛ وتسع دول عزمت على أن سبيلها فى التقدم هو السلام والإصلاح والبناء المستمر. «توازن القوى» فى الواقع يحسم الأمور فى وقت الحرب، ولكنه يتم فى وقت السلام من توفير الجيوش الحديثة والاقتصاد الحديث، والفوز فى البناء الحضارى بين بنى البشر. مثل ذلك لا ينبغى أبدا أن يكون مسكوتا عنه، وتجربة ١٩٤٨ وما بعدها رتبت نتائج حملتها أجيال ثقيلة وعاتية. الدور الذى تقوم به مصر حاليا لوقف إطلاق النار وإنقاذ الفلسطينيين وإقامة السلام والاستمرار فى البناء فى نفس الوقت هو الطريق الذى لا بديل له.