بقلم: عبد المنعم سعيد
كل الرؤساء الأمريكيين الذين قادوا الولايات المتحدة منذ الرئيس الأول جورج واشنطن كانوا يعلمون سر القوة الأمريكية الكامن فى دولة قارية بين محيطين، وأهلها يتمتعون بالطموح والقدرة على المنافسة وما يكفى للانتصار فى حربين عالميتين. ترامب لا يكتفى بذلك، بل إنه يعتقد أن القيادات - الجمهورية والديمقراطية - قد أفسدت هذه القدرات عندما دخلت حروبا لا تهم أمريكا من قريب أو بعيد، وعندما حاولت أن تجعل العالم ليبراليا وديمقراطيا. ما يعرفه ترامب أن الولايات المتحدة لديها من القوة فائض كبير إذا ما أحسنت استخدامه فإنها لا تحتاج العالم، فهى حاليا لديها وحدها 26% من الناتج المحلى العالمى، وهو تقريبا ما كانت عليه خلال التسعينيات من القرن الماضي. وفى عام 2008، أى عام الأزمة المالية العالمية، كان الاتحاد الأوروبى مماثلا فى الحجم للولايات المتحدة؛ والآن فإن الاقتصاد الأمريكى ضعف ذلك الأوروبي. الاقتصاد الأمريكى يزيد 30% على اقتصادات «الجنوب العالمي» بعد أن كان منذ عقد يزيد 10% فقط. وبينما روسيا فقدت الكثير فى أثناء الحرب الأوكرانية، فضلا عن أنها لم تكن منافسا يعتد به فى الأسواق العالمية، فإن الصين وحدها تبدو هى المنافس الرئيسي. ما يغرى أن الأرقام الصينية وفق ما يعتقده الأمريكيون لا يمكن الوثوق بها نتيجة ما يبدو من الهجرة الجماعية الصينية إلى الولايات المتحدة عبر المنافذ المكسيكية.
نتيجة ذلك كله هناك حالة من الولع «الترامبي» باستخدام أسلحة اقتصادية تقع فى مقدمتها السوق الأمريكية الضخمة التى إذا ما فرضت الجمارك على السلع القادمة، فإن القائمين عليها لا بد لهم أن يقبلوا بالمطالب الأمريكية. لذا ربما لم يحدث فى التاريخ الأمريكى أن قام رئيس خلال أيام من توليه الحكم باستخدام هذا السلاح ضد طائفة واسعة من دول العالم منها الخصوم (الصين) والحلفاء (أوروبا) والأشقاء (كندا) والجيران (المكسيك) ومن يقع بين هذا وذاك فى أركان العالم الأربعة. العرب لم يسلموا من اللعنة الترامبية.