بقلم - عبد المنعم سعيد
منذ بداية أزمة حرب غزة الخامسة بدأت الولايات المتحدة في إثارة موضوع «اليوم التالي»؛ وكان غرضها الاستراتيجي هو أن تعلم الأطراف المتحاربة - «حماس» وحلفاؤها في مواجهة إسرائيل وحلفائها أيضاً - أن واقعة الحرب ليست نهاية المطاف، بخاصة إذا ما فشل الطرفان في الحصول على نصر حاسم بينما تتصاعد الخسائر البشرية والمادية والمعنوية لكل طرف حسب موقعه من الساحة العالمية، وأوضاعه الداخلية، وكلاهما معقد ومركب. إدخال المستقبل في المعادلة العسكرية يجعل الدبلوماسية والسياسة أكثر فاعلية؛ نظراً لما سوف يدخل في حسابات كل طرف من فرص يمكن انتهازها ومخاطر يحاول تجنبها. وفي الوقت الراهن، كانت هناك أربع رؤى لليوم التالي: رؤية إسرائيل وقامت على انتصار ساحق على «حماس» يؤدي إلى السيطرة الكاملة على قطاع غزة. ويبدأ اليوم التالي بوجود مناطق عازلة تهيمن عليها إسرائيل، وإدارة غزة من خلال الهياكل الإدارية التعليمية والصحية والأمنية التي تحصل على أجورها من السلطة الوطنية الفلسطينية. وعملياً، يعني ذلك إزالة الالتزامات الإسرائيلية في ما يتعلق باتفاقية أوسلو، مضافاً إليها المزيد من المستوطنات. ورؤية «حماس» وقامت على إعلان الانتصار على إسرائيل على أساس أنها لم تحقق أهدافها بالهزيمة الكاملة لـ«حماس» طالما أنها مستمرة في إطلاق الصواريخ على إسرائيل مع مواصلة حكم غزة بمنع أي تواجد لمنظمة التحرير الفلسطينية، مع مبادلة الرهائن بالانسحاب الإسرائيلي، والاستعداد لقبول حل الدولتين من دون الاعتراف بإسرائيل. والرؤية العربية واستندت إلى تسع دول عربية، منها ست دول مجلس التعاون الخليجي، ومصر والأردن والمغرب وهي الدول التي لديها علاقات سلام مع إسرائيل أو على استعداد للتطبيع معها، وتقوم على وقف إطلاق النار كلياً وتبادل الرهائن لدى «حماس» مع الأسرى لدى إسرائيل؛ ويكون وقف إطلاق النار من خلال «هُدن» مؤقتة، ولكنها طويلة نسبياً مع تبادل أعداد أكبر من الرهائن والأسرى، ويتم تفعيل قدرات السلطة الوطنية الفلسطينية على إدارة كل من الضفة الغربية وقطاع غزة.
الرؤية الأميركية وهي الأكثر حضوراً على المستوى الدولي تقوم على تأييد الخطوط العامة للرؤية العربية في أن يكون هناك مسار للسلام والأمن في الشرق الأوسط بين العرب والفلسطينيين وإسرائيل. وترمي إلى إبرام ثلاث صفقات: أولها التطبيع مقابل السلام بحيث يتم تفعيل الاقتراب السعودي - الإسرائيلي، فتحصل إسرائيل على علاقات طبيعية مقابل مسار له مصداقية لإقامة دولة فلسطينية. وثانيها أن يكون هناك إعمار شامل تقوم به الدول العربية ومؤسسات دولية لقطاع غزة، مقابل تفعيل سلطة فلسطينية موحدة. وثالثها أن يكون التطبيع السعودي مقابل الأمن، حيث يعقد اتفاق على ضمان أمن المملكة وفقاً لصيغة رسمية تستمد شرعيتها من الكونغرس الأميركي وتكون قريبة من الاتفاقيات الأمنية التي عقدتها الولايات المتحدة مع دول حليفة.
الموقف الآن ورغم التحركات السياسية والدبلوماسية والإعلامية، والجهود الدولية في منظمات الأمم المتحدة (مجلس الأمن، الجمعية العامة، محكمة العدل الدولية)، والمحكمة الجنائية الدولية، فإن حرب غزة الخامسة اقتربت من ثمانية أشهر من دون بادرة للخروج من حالتها الساخنة. واستناداً إلى الجهود الأميركية السابقة؛ فإن توجهات الولايات المتحدة باتت تركز أولاً على تهدئة الحرب من خلال الضغط على إسرائيل حتى تعتبر أن جهودها في رفح سوف تكون الأخيرة في غزة، بخاصة أنه وفق التقدير الأميركي فإن إسرائيل لن تستطيع القضاء على «حماس» ولكنها قامت بالفعل بالتقليل من قدراتها العسكرية، وإن نجاحها في تدمير الكتائب الأربع المتبقية في رفح سوف يتوج هذا الجهد. وثانياً استئناف المفاوضات الخاصة بالهدنة بالوساطة المصرية والقطرية وفقاً لما تم التقدم فيها بحيث تبدأ المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار تبادل الرهائن والأسرى بحيث يمكن تحقيق أفق من الهدوء النسبي خلال الأسابيع المقبلة. وثالثاً الفصل التفاوضي بين توقيع اتفاقية أمنية بين واشنطن والرياض بحيث يكون الارتباط فيها أقل من اليابان ولكنه يزيد على تايوان من حيث الالتزام الأميركي للدفاع عن المملكة. وثالثاً تتعاون الولايات المتحدة والدول العربية في تقديم العون للسلطة الوطنية الفلسطينية الأمني والاقتصادي إضافة إلى الإعمار.
كل الخطوات السابقة يهددها عدد من الأمور: أولها الزمن، حيث يطارد كل هذه الخطوات قرب الانتخابات الرئاسية الأميركية بحيث يظل انتظار ترمب ورقة تستخدمها إسرائيل و«حماس» لبقائهما في مواقعهما الحالية وإفشال خطوات بايدن. وثانيها أنه لا يوجد في أي من هذه الخطوات ما يسمح ببقاء «حماس» في الصورة السياسية، وهو ما سوف تسعى لإحباطه بمساندة إيرانية. وثالثها أن هناك عقبات كثيرة للحصول على موقف فلسطيني موحد وبالسرعة اللازمة.