الصومال من الدولة إلى القبيلة

الصومال.. من الدولة إلى القبيلة

الصومال.. من الدولة إلى القبيلة

 العرب اليوم -

الصومال من الدولة إلى القبيلة

بقلم - علي عبيد

يحدث في التطور الطبيعي للأمم والشعوب، أن تنتقل من القبيلة إلى الدولة، وليس هذا ذماً للقبيلة مقابل الدولة، ولا هو رفع من شأن الدولة على حساب القبيلة. وللصديقة الدكتورة فاطمة الصايغ كتاب عن نشأة دولة الإمارات العربية المتحدة، عنوانه «الإمارات العربية المتحدة – من القبيلة إلى الدولة».

وهو كتاب قيّم، تسرد من خلاله الدكتورة فاطمة، تاريخ الإمارات منذ أن كانت قبائل متفرقة، مواردها الرئيسة صيد اللؤلؤ، وحتى العصر الحاضر، حيث أصبحت دولةً عصريةً، لها دستورها وأنظمتها وقوانينها، ولها مواردها الكبيرة والمتعددة، وتلعب دوراً مهماً في المنظومة العربية ودول مجلس التعاون الخليجي والعالم. وقد صيغ الكتاب بأسلوب علمي أكاديمي شائق، ويمكن اعتباره من المراجع المهمة لمن يرغب في معرفة تاريخ دولة الإمارات العربية المتحدة.

ليس هذا هو موضوعنا، وإنما هو مثل نضربه على الانتقال من القبيلة إلى الدولة، حيث عادةً ما تمر الشعوب بهذه الأطوار والمراحل، التي تطول وتقصر، تبعاً للحالة السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تختلف من بلد إلى آخر، وتبعاً للظروف المحيطة بها، ومنها مواقف الدول الأخرى، التي تتباين بين الإيجابية والسلبية، تبعاً لمصالح وسياسات هذه الدول، وتبعاً للأهداف التي ترمي إليها من مساعدة هذه الدولة أو تلك، ومدى نبل هذه الأهداف وطهارتها، أو خسة أهداف هذه الدول ودناءتها.

الصومال دولة عريقة، ربطتها علاقة وثيقة بالحضارات القديمة، وأهمها الحضارة الفرعونية، حيث كانت واحدة من أهم مراكز التجارة العالمية بين دول العالم القديم. كما أصبح لها موقعها المهم، بعد دخول أهلها الإسلام دون حرب، عن طريق التجار والمغتربين الصوماليين القاطنين في شبه الجزيرة العربية، والمعلمين الصوماليين المسلمين الذين عملوا على نشر تعاليم الإسلام في الصومال.

وبعد عقود من الاستعمار البريطاني والإيطالي والفرنسي في العصر الحديث، وفي السادس والعشرين من شهر يونيو 1960 تحديداً، استطاعت الصومال أن تتحرر من مستعمريها، وأُعلِن رسمياً قيام دولة الصومال الموحدة، بشطريها البريطاني والإيطالي، بعد أن اختارت جيبوتي، التي كانت تُعرف باسم الصومال الفرنسي، أن تبقى تحت الحماية الفرنسية، في استفتاء أجري عام 1958 م، ثم تستقل بعد ذلك عام 1977.

ورغم انتقال الصومال إلى مرحلة الوحدة، إلا أن الصراعات القبيلة والخلافات العشائرية التي زرعها الاستعمار، ظلت قائمة. لذلك كانت الصومال بحاجة إلى مساعدة الأشقاء والأصدقاء، كي تجتاز الصعوبات والقلاقل التي كانت تمر بها، وهي تنتقل من مرحلة القبيلة إلى الدولة.

هنا، كانت دولة الإمارات حاضرة كعادتها لمساعدة الشقيق والصديق، فنمت جذور العلاقة التي ربطت دولة الإمارات العربية المتحدة بالشعب والدولة الصومالية، في عهد القائد المؤسس، المغفور له بإذن الله تعالى، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، واستمرت هذه العلاقة عميقة وقوية، أساسها وهدفها مصلحة الشعب الصومالي، قبل أي شئ آخر.

عام 1991، شهدت الحياة السياسية في الصومال تغيرات جذرية، أدت إلى خلع الرئيس الصومالي وقتها محمد سياد بري، وانفصال الشمال عن الجنوب، ودخلت الصومال نفقاً مظلماً من الخلافات والصراعات، تحولت بمرور الزمن إلى حرب أهلية، ما زال الشعب الصومالي يعاني منها ومن آثارها حتى الآن، وبرزت مشكلة القرصنة أمام السواحل الصومالية، التي تحولت إلى مشكلة دولية. وأدت موجة الجفاف التي اجتاحت القرن الأفريقي عام 2011، إلى هجرة جماعية لأهل جنوب الصومال، الذي تتجاذبه الصراعات المسلحة، إلى الدول المجاورة.

وخلال هذا كله، كانت دولة الإمارات، تقف إلى جانب الشعب الصومالي، وتعمل على التخفيف من الأزمات التي يتعرض لها، فقدمت ما يقارب مليار درهم، شملت العديد من المشاريع التنموية، وبرامج الإغاثة والمساعدات الإنسانية، واعتبرت هذه المساعدات، واجباً تفرضه عليها أواصر الأخوة والصداقة التي تربطها بالشعب الصومالي، وبذلت دون منٍّ أو أذى كعادتها دائماً.

وفي الجانب المقابل، سعت دول أخرى، على رأسها قطر، إلى العبث بأمن الصومال وشعبه، تنفيذاً لأجندات خاصة لا تخفى على أحد، وشجعت المجموعات الإرهابية المسلحة فيه، وعملت على إعادته إلى مرحلة القبيلة، بعد أن كان قد تجاوز هذه المرحلة، وأصبح دولة لها كيانها.

ولم يكتفِ النظام القطري بتفتيت وحدة الصومال، وإعادته إلى مرحلة الصراعات المسلحة، التي كان قد تجاوزها منذ سنوات الاستقلال، بل سعى هذا النظام، الذي يقوم بتسويق نفسه كدولة مكافحة للإرهاب، إلى تشويه سمعة الدول العربية التي تربطها علاقات وطيدة ومتجذرة بالشعب والدولة الصومالية، وعمل إعلامه، الذي انكشفت أدواته وغاياته، على تزييف الحقائق وليّ أعناقها، واستغلال الصراعات القائمة هناك، لضرب العلاقات العربية العربية، لصالح أجندات وأهداف لم تعد تخفى على أحد، في عصر المعلومات التي غدت متاحة للجميع.

الصومال يتعرض منذ أكثر من ربع قرن لمحنة كبيرة، فقد تفكك وأصبحت أرضه مستباحة للجماعات الإرهابية المسلحة من كل صنف ولون، بل غدا يصدّر الإرهاب إلى دول القرن الأفريقي والمناطق الأخرى، ولم يعد سراً أن الداعم الأكبر لهذه الجماعات، هي الدول الراعية للإرهاب في العالم، وعلى رأسها قطر ونظامها، كما تثبت الوثائق يوماً بعد يوم.

لذلك، فإن الشعب الصومالي بحاجة اليوم إلى أن يقف مع نفسه، ليعرف عدوه من صديقه. وأعداؤه دون شك هم أولئك الذي يعملون على إعادة نقله من الدولة إلى القبيلة، وإذكاء الصراعات والفتن فيه، وهي عودة لا يتمناها له أشقاؤه، وعلى رأسهم دولة الإمارات، لأن فيها دماره وتفتته.

المصدر:جريدة البيان

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

arabstoday

GMT 01:05 2024 الثلاثاء ,27 شباط / فبراير

حكاية الحكومات في فلسطين... والرئيس

GMT 02:47 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

لماذا مدح بوتين بايدن؟

GMT 01:26 2024 الإثنين ,19 شباط / فبراير

سياسة في يوم عيد الحب

GMT 01:23 2024 الإثنين ,19 شباط / فبراير

كوارث التواصل الاجتماعي!

GMT 02:27 2024 الأربعاء ,14 شباط / فبراير

تستكثرُ علي بيتك؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الصومال من الدولة إلى القبيلة الصومال من الدولة إلى القبيلة



الملكة رانيا تجسد الأناقة الملكية المعاصرة في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 20:02 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

ألبانيا "جزر المالديف الأوروبية" أفضل وجهة سياحية لعام 2025
 العرب اليوم - ألبانيا "جزر المالديف الأوروبية" أفضل وجهة سياحية لعام 2025

GMT 14:05 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
 العرب اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 07:38 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 09:07 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

عن الرئيس ورئاسة الجمهورية!

GMT 04:30 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

قصف متفرق على أنحاء غزة والاحتلال ينسف مباني في جباليا

GMT 18:10 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

تكريم توم كروز بأعلى وسام مدني من البحرية الأميركية

GMT 10:07 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

أغنى قطة في العالم تمتلك ثروة تفوق ضعف ثروة توم هولاند

GMT 12:54 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

كاليدو كوليبالي ينفي أنباء رحيله عن الهلال السعودي

GMT 13:17 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

راموس يرفض اللعب في كأس العالم للأندية 2025

GMT 13:27 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

منافسة إسبانية سعودية لضم الإنكليزي ماركوس راشفورد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab