بقلم - منى بوسمرة
قبل أيام، أكد المنتدى الاقتصادي العالمي أن الإمارات وضعت يدها على مفتاح اقتصاد ما بعد فيروس «كورونا»، مشيراً بذلك إلى قدراتها الهائلة على تسخير التكنولوجيا في إدارة اقتصادها وخدماتها، لكن الأكثر دقة هو أن الإمارات تمتلك هذا المفتاح منذ عشرين عاماً، بدأت بتأسيس مدينة دبي للإنترنت وما تلاها من مشروعات في هذا الطريق، حين تنبهت إلى التأثير الهائل للتقنيات في رسم طريق المستقبل، فسبقت غيرها في التحولات التقنية في كل القطاعات، فصارت نموذجاً ودولة قيادية وقوة رقمية إيجابية.
فجودة البنية التحتية الرقمية في الإمارات لا تقل عن جودة البنية التحتية التقليدية من طرق ومواصلات وشبكة إمداد لوجستية التي طالتها أيضاً الرقمنة، والاستثمارات مستمرة وتتعاظم في استكمال بناء الطريق الرقمي، وهو ما أكده حمدان بن محمد خلال مشاركته ممثلاً الإمارات مع عدد من القيادات العالمية عن بعد في إطلاق المبادرة العالمية لرسم خريطة عالمية للتعاون الرقمي.
أي أن الإمارات، الدولة الناشئة، تشارك اليوم في صياغة مستقبل العالم، وليس مستقبلها فقط، بعد أن أثبتت الجائحة الفيروسية حاجة العالم إلى التعاون الوثيق لمواجهة الأخطار وحل الأزمات، وكان أول دروس الأزمة هو ظهور قيمة الرقمنة في تجاوز التحديات، بدليل أن الخدمات الحكومية في الإمارات كانت تعمل مع ذروة الجائحة بنسبة 100 %.
الإمارات تمتلك اليوم فائض خبرة وإمكانات تتيح لها احتلال موقع متقدم وممارسة دور فاعل في أي مبادرة لتسخير التكنولوجيا لخدمة البشرية، وكان كلام حمدان بن محمد نابعاً من تلك الخبرة مستنداً إليها، حين أكد أن الاستثمار في المستقبل يجب ألّا يكون فيما هو قائم، بل يجب التفكير في مقاربات مختلفة ذكية ورشيقة ومرنة قادرة على التعامل مع أي تحدٍّ قادم، وفي الوقت نفسه تنقل العالم إلى مرحلة مختلفة من التعاون الرقمي وتعميقه، وحوكمة التكنولوجيا، حتى تكون دائماً أداة إيجابية للبناء، وأن هذه هي اللحظة الفارقة في تاريخ العالم التي يمكن الانطلاق منها إلى مرحلة أكثر متانة ومرونة وكفاءة، ليؤكد هنا التزام الإمارات الكامل تجاه أي مبادرة تعمل على تعزيز الحوار العالمي.
في تشخيصه للواقع، كان حمدان بن محمد دقيقاً وصريحاً بأن الوباء كشف أن لا دولة تستطيع أن تعمل منعزلة ومنفردة، وأنه لا دولة ستكون أفضل حالاً إذا عملت وحدها، مشدداً على أن قوة الترابط الرقمي العالمي واتساعه مصلحة مشتركة، وأنه لا بد من إغلاق الفجوة الرقمية بين المجتمعات، إذ لا يزال نحو نصف المجتمعات في العالم لا يستطيع الوصول إلى الإنترنت، ما يُبرز الحاجة إلى التعاون العالمي لتسريع الجهود للتواصل مع نصف سكان العالم، وهي مهمة ليست سهلة، لكنها ممكنة أيضاً، مدللاً على ذلك بما أفرزته الجائحة، وكيف أنه تم إنجاز ما كان يحتاج إلى ثلاث سنوات في ثلاثة شهور.
في الإمارات، والكلام لحمدان بن محمد، هناك حرص على تبنّي التغيير والتطوير بآلية تفكير تصوغ المستقبل اليوم، فكانت كلماته صدى لما تشرَّبه من قائده ووالده محمد بن راشد الذي غرَّد، أمس، بكلمات من رصيد تجربته وخبرته، قائداً وفارساً وشاعراً، تفتح أبواب الأمل، فالحياة كما قال لا تتوقف، تنتهي مرحلة لتبدأ أخرى، فكما يتعاقب الليل والنهار تتعاقب الأحداث، وتتجدد الحياة، ويعود الإنسان إلى حركته التي أرادها الله، لا ييأس، ولا يفتر، بل ينطلق في إصرار دائم لصناعة الحياة.
هذه هي الإمارات وقيادتها، وهذا هو تفكيرها، تبدأ مرحلة جديدة، مستنهضة همم الذين تأخروا ليلتحقوا بركب الرقمنة بمفتاح من صناعة الإمارات، يفتح لهم أبواب عالم أفضل.