بقلم -منى بوسمرة
ما تقدمه الإمارات للعالم من إسهام حضاري مؤثر، لا يقف عند الإنجازات التي قهرت أصعب التحديات وصمدت في وجه أعتى الرياح والمتغيرات، فقد رسخت، من خلال ذلك كله، لمدرسة متفردة في إدارة الدول ورسم السياسات، لها مرتكزاتها الفكرية والاستراتيجية التي أصبحت مرجعاً عالمياً، في نهج الحكم والقيادة، وكفاءة الحكومات، واستمرارية التقدم والتطور.
هذا النهج الإداري، أدركت الدولة مبكراً، برؤية قيادتها السباقة، مرتكزاته الأكثر أهمية، ليكون الاستثمار بالعلم والمعرفة والتسلح بمهاراتهما وأدواتهما، والارتقاء بمؤسساتهما، أولوية أساسية في صدارة كل الأجندات الوطنية التي تطمح وتثابر على تحقيق قفزات حضارية تاريخية في نهضة الإمارات وتنميتها، وهو ما جعل أكثر ما تفخر به الدولة من إنجاز اليوم، صروحها الأكاديمية الوطنية عالمية القدرات، وما تلعبه من دور حاسم في صناعة القادة القادرين على العبور بالإمارات إلى المستقبل الذي تريده، لتكون أفضل وأجمل الدول.
والفكر الملهم الذي يؤكد من خلاله محمد بن راشد أن إدارة الحكومات علم، وإدارة السياسات علم، والابتكار الحكومي علم، وأن تقدم الدول لا يحدث صدفة، وإنما بالعلم الصحيح والفهم والتفاني، وليس بالخطب الرنانة والوعود الحالمة، هو فكر لا يكتفي بالأقوال، وإنما حقق ثمراته على أرض الواقع، بدولة استثنائية قائمة على العلم والمعرفة في كل شؤونها، بدءاً من إدارتها العليا، ومروراً بكل مؤسساتها وخططها وأهدافها وبرامجها.
حضور سموه لتخريج كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية، وما يمثله من رعاية ومتابعة مباشرة، والعدد الكبير الذي ضم نخبة من 285 خريجاً من ضمن برامج الماجستير في تخصصات الإدارة والابتكار والسياسات العامة، دلائل واضحة على الأهمية والأولوية التي تعطيها قيادة الإمارات لصناعة أجيال جديدة من القادة، ورؤيتها القائمة على إعدادهم بفكر مختلف يلبي تطلعات المستقبل وقادر على التعامل مع مختلف متغيراته وتطوراته، كما يبرهن ذلك على أن الدولة تواصل قطع أشواط واسعة في تقوية عماد تقدّمها وضمانة نهضتها، وهو العنصر البشري المتسلح بكل الأدوات الكفيلة بتأكيد جدارتها كنموذج للدولة العصرية القادرة على المنافسة عالمياً.
من يعُدْ بالذاكرة إلى سنوات مضت، ويقرأ كيف خططت الإمارات لمستقبلها، يلمس ما تحقق لها الآن من تقدم، طمحت إليه، وعملت من أجله بخطط مدروسة، يدرك ما ستكون عليه دولتنا في سنواتها الخمسين القادمة، بكفاءة إدارتها وقوة إرادتها، وقبل ذلك كله، بالسر العظيم الذي جعلت منه جوهر هذا التقدم، وهو الإنسان المتمكن من أدوات العصر وعلومه ومعارفه، وما شيدته لتحقيق ذلك من صروح علمية وطنية باتت اليوم في الصدارة عالمياً.