الموضة السارية في الأوساط العامة والسياسية والنيابية والثقافية هذه الأيام هي الحماس الشديد لتأسيس أحزاب سياسية، وقد سمعت جملة خلال الأيام الماضية: “تعالوا نعمل حزبًا” في اكثر من مكان.
نواب على رأس عملهم، وغيرهم من السابقين، حزبيون قدماء وجدد، أعضاء جمعيات ثقافية، أعضاء صالونات سياسية وثقافية منتشرة كثيرا هذه الأيام، متقاعدون وعلى أبواب التقاعد، جُل نشاطاتهم هذه الأيام التفكير بركوب الموجة والتسابق لتأسيس حزب أو تيار.
قد تكون الموجة مستوعبة ومقدرة، ودعمها أفضل بكثير من نقدها، لكن عقدة من مر بتجارب حزبية سابقة (وأنا أحدهم) لا يستقيم الأمر بهذا الشكل لأن فكرة تأسيس الأحزاب والإيمان بها، يحتاج إلى فكر وبرنامج ومحتوى ورسالة، يحتاج إلى رؤية، ويحتاج إلى حواضن وروافع تؤمن بفكر هذا الحزب وهُويته.
لدينا في الأردن الآن نحو 50 حزبا، ولا نحتاج أن نضاعف العدد بتأسيس أحزاب جديدة، لأن الأحزاب القديمة بعضها من المستحيل أن تفكر بالتحالف والتآلف مع أحزاب تتقاطع معه في الفكر والبرنامج والتصنيف السياسي، ولنا في أكثر من تحالف تجارب لا تتجاوز صيغة عمل تآلف حزبي واستقلالية لكل حزب في القرار والتوجه، فقط يتآلفون في إصدار بيان أسبوعي أو شهري، ولا يتآلفون في معركة انتخابية.
الأجواء المشجعة كلها على تأسيس الأحزاب جاءت بعد مخرجات منظومة الاصلاح ومشروعات قوانين الانتخاب والأحزاب والإدارة المحلية، لكن حتى هذه المخرجات خاصة مشروع قانون الأحزاب اختلفت في تقويمه الأحزاب الموجودة، ففي حين رحب حزب جبهة العمل الإسلامي ذراع الإخوان المسلمين هاجمت الأحزاب القومية واليسارية القانون ورفضته.
طبعا؛ مشكلة الأحزاب ليست فقط في واقعها الحالي، المشكلة الأساس برأيي المتواضع، الإجابة على سؤال قديم جديد، هل عقل الدولة يؤمن بالأحزاب والعمل الجمعي؟.
للأن؛ لم تتم الإجابة ولا فحص هذا الأمر سوى شعارات فوقية وأمنيات وتعهدات، لا بل إن ماكينة التشجيع على تأسيس الأحزاب تسهم به جهات طوال عمرها معادية للحياة الحزبية، فهل غيرت رأيها أم هي محاولة استباقية لفرض الأمر الواقع، وتأسيس أحزاب من خلال بواباتها وعناوينها الموجودة في كل مكان.
لا أحد لديه أدنى علاقة بالإصلاح السياسي، ويؤمن إيمانًا عميقًا بالديمقراطية والتعددية واحترام الرأي الآخر، يضع الأحزاب السياسية خصمًا له، ويبدأ بتوجيه النقد، الموضوعي وغير الموضوعي للحياة الحزبية في الأردن.
لا يمكن لعملية الإصلاح السياسي أن تبدأ بالتدرج نحو الأفضل من دون حياة حزبية، وتعددية فكرية، وعدم إقصاء الآخرين، فالحياة الحزبية هي الحاضنة الطبيعية لتطور المجتمع، وهي الوعاء الذي يتخرج منه السياسيون الذين يتبوأون المناصب والمواقع القيادية، وهي المرجعية لهؤلاء، والجهة التي تحاسب أعضاءها على ما يقدمون، إيجابًا أو سلبًا.
في نقد الأحزاب الأردنية، هناك الكثير من الملحوظات، ولا أعتقد أن القيادات الحزبية ذاتها تنكر هذه الملحوظات، بل تعترف بها وبأكثر منها، لكن؛ لِمَ لا ندع الحزبيين يُقوِّمون الحياة الحزبية؟.
طبعا؛ لا نريد أن نستبدل الأحزاب القديمة الموجودة حاليا، وبِهُويات متعددة، بأحزاب بِهُويات عشائرية ومناطقية، فنكون بذلك قد دمرنا التجربة الموجودة، ودمرنا فكرة الحياة الحزبية برمتها.

لا أدري لماذا خطر في بالي برنامج تلفزيوني إسمه “يلا بنا نلعب…”
الدايم الله….