بقلم - أسامة الرنتيسي
مصدوم، ولم أجد تفسيرا منطقيا لِلّحظة التي تركت فيها الحكومة ملفات الكورونا والأوضاع العامة في البلاد، وفتحت ملف الدكتور هايل عبيدات لتقرر إحالته على التقاعد.
الدكتور عبيدات مدير عام الغذاء والدواء، من الشخصيات التي حفرت احترامها الشديد في وجدان الشعب الأردني في زمن من الصعب أن تُجمع فيه نخب الأردنيين وعمومهم على شخصية في منصب رسمي.
قبل الكورونا كان عبيدات وحيدر الزبن، شخصيتين لم يذكر في سيرتي حياتهما المهنية والعملية إلا كل وصف جميل، وبعد أن قامت الحكومة السابقة بإنهاء عمل الزبن لم يبق في المجال الأردني الرسمي شخصية حاصلة على إجماع شعبي سوى الدكتور عبيدات، فبأي لحظة ذكاء تتذكر الحكومة أن عبيدات وصل الستين ويجب إحالته على التقاعد.
لا أحد ضد أن يكون القانون مسطرة للجميع، وستين يعني ستين، لأي موظف حتى لو كان وزيرا أو رئيسا للوزراء، او غيرهم من موظفي القطاع العام، لكن في الأوقات الحاسمة، وفي أزمة مثل الأزمة التي نمر بها، نحتاج إلى مرونة أكثر وتعظيم الإيجابيات، والمحافظة على كل ما يرفع من معنويات الناس، ويزيد حلقات الاطمئنان لديهم.
منذ بداية أزمة الكورونا، كان الدكتور عبيدات في الصفوف الأمامية، في مؤسسة الغذاء والدواء، وفي لجنة الأوبئة، وكان مصدر ثقة للناس عندما كان يتحدث في وسائل الإعلام، فسامح الله كل من لا يفتح بيكار عقله على أوسع درجة في ظل هكذا أزمة ويعظم الإيجابيات التي نحتاجها كثيرا هذه الأيام.
الدكتور عبيدات اختصر وجعه بمنشور يقطر من روحه الإيجابية في وقت يعرف جيدا ان لسع الوطن من أية زاوية يعتبر جريمة حرب، فنحن في حرب حقيقية..فقال: “على مدار ما يقارب ثماني سنوات كنتم زميلاتي وزملائي أهل الطيب والخلق والعلم وأنتم تقفون شامخين على جدران الوطن الأعز قابضين على الجمر وحيث ارتهنت بكم ومعكم بالإخلاص والإيثار وأنتم المخلصون .. أمَا وقد حان وقت الرحيل وحيث أُبلغت بقرار مجلس الوزراء إحالتي على التقاعد مفسحا الطريق لغيري من أبناء الوطن فإني أودعكم وأستودعكم على الخير والأمل وأنتم ومؤسستكم ذوو مهابة وعلم ومهنية وبأس من دون خوف في الحق في خدمة أردننا الغالي وأهله في ظل القيادة الهاشمية، جلالة الملك عبدالله الثاني، متمنيا لكل فرد منكم كل الخير والنجاح والسؤدد وحماكم الله وشكرا لكم ولكل من تعاون معنا من داخل المؤسسة وخارجها ومن كافة الأطياف في قطاعات الغذاء والدواء وغيرها.. ودمتم وعاش الأردن قويا آمنا منيعا في ظل القيادة الهاشمية ????????” (انتهى النص).
لا أعرف الدكتور عبيدات شخصيا، وهذا من سوء حظي لكني عرفت سيرته المهنية وإستقامته في وقت ندر فيه المستقيمون..
يا خوفي من أن نستيقظ يومًا وإذا بوزير الصحة الدكتور سعد جابر يُستبعد في أقرب تعديل وزاري بعد أن سُجِّل اسمه بحروف من ذهب في أزمة الكورونا، وكأننا في الأردن نكرس مفهوم اننا لا نُحب الأكْفاء والمخلصين.