قلق مصري مثير للقلق

قلق مصري مثير للقلق

قلق مصري مثير للقلق

 العرب اليوم -

قلق مصري مثير للقلق

خالد الدخيل

حدث يوم الأحد الماضي أمر لافت في العلاقات السعودية- المصرية. في ذلك اليوم نشرت صحف سعودية ومصرية تقارير متشابهة التقت على تأكيد معنى واحد، وهو أنه لا يوجد خلاف بين الرياض والقاهرة في ما يتعلق باليمن وسورية. على العكس، هناك تطابق في رؤى ومواقف البلدين تجاه قضايا المنطقة. هذا ما جاء في صحيفة «الحياة»، و «المصري اليوم»، و «الشرق الأوسط». صحيفة «الأهرام» المصرية انتظرت إلى اليوم التالي (الإثنين) لتنشر تقريراً مشابهاً. على رغم اختلاف صيغ الخبر بين صحيفة وأخرى، إلا أن المصدر بدا واحداً، هو مؤتمر صحافي لوزير الخارجية السعودي عادل الجبير، مع نظيره، ومضيفه المصري سامح شكري في القاهرة. إلى هنا والأمر لم يخرج عن المألوف عربياً. لكن في اليوم نفسه خرجت صحيفة «الشروق» المصرية عن المألوف ونشرت تقريراً مغايراً تماماً لما جاء في تقارير الصحف المشار إليها. يقول عنوان التقرير «تصاعد التوتر المكتوم بين القاهرة والرياض بسبب إخوان اليمن وسورية». وفي عنوان جانبي، تقول الصحيفة: «إن السعودية تفتح الباب أمام وصول الإخوان للسلطة في اليمن... ومصر تعتبر ذلك خطاً أحمر».
في التفاصيل تنقل «الشروق» عن «مصادر مصرية رسمية أن القاهرة أبلغت الرياض خشيتها من أن ما تصفه مصر بـ (المبالغة) في الانفتاح على أذرع جماعة الإخوان المسلمين في الدول العربية و «محاولة الاعتماد عليها لإنهاء الأزمة» في اليمن أو لملمة الوضع في سورية سيؤديان حتماً لعواقب وخيمة على الاستقرار الإقليمي، لأن الإخوان إذا ما وصلوا للحكم في بلدان عربية بدعم سعودي لن يهدأ لهم بال، وسيسعون إلى السيطرة على جميع العواصم العربية». أيهما أقرب للحقيقة: تقارير الصحف التي نقلت ما قاله وزيرا الخارجية السعودي والمصري في مؤتمرهما الصحافي؟ أم ما نقلته «الشروق» عن مصادر مصرية رسمية؟ عند التدقيق في ما نقل عن المؤتمر الصحافي تبرز فجوة لا يمكن تفاديها بين ما قاله الجبير وما قاله شكري عن الموضوع نفسه. مثلاً تنقل «الحياة» عن وزير الخارجية السعودي إشارته في سياق حديثه عن تقارب الرؤى بين المملكة ومصر في الشأن السوري، إلى «سعي البلدين لإبعاد بشار الأسد بعدما فقد شرعيته»، ثم يضيف، وفق «الحياة» أن «الاتصالات السعودية - الروسية تتطابق مع الاتصالات المصرية - الروسية، وهي إقناع موسكو بأن تتخلى عن الأسد». هذه إشارات واضحة ومباشرة. وتنبع أهميتها من أنها تأتي بعد محادثات الوزيرين مباشرة، وفي مؤتمر صحافي مشترك. ولم يتطرق الوزير المصري إلى وضع أو مستقبل الرئيس السوري. وفي حديثه عن الاتصالات مع روسيا لم يرد ما يفيد أن مصر تطلب من موسكو أكثر من إقناع النظام السوري بالانتظام في العملية السياسية مع المعارضة. في الوقت نفسه لم يعلق الوزير المصري على ما ذكره الوزير السعودي عن هذه المسألة. ربما أن هناك تطابقاً في تقييم الرياض والقاهرة بأن تطورات الأحداث وضعت حداً لمستقبل الرئيس السوري لم يعد من الممكن تفاديه. لكنهما يختلفان في طريقة دفع التطورات في هذا الاتجاه، وفي البديل السياسي لما بعد الأسد. الرياض واضحة ومباشرة في موقفها، وهو أن سقوط الأسد أصبح الخطوة الأولى لوضع حد للمأساة السورية. أما القاهرة فتبدو مترددة، ولم تحزم أمرها بعد. من هنا تتسم لغتها الديبلوماسية بالعمومية، وعدم الوضوح والمباشرة. السؤال هل يضمر عدم الوضوح هذا رؤية مخالفة للرؤية السعودية، وأن اللجوء للغموض ما هو إلا مراعاة للسعودية بحكم الحاجة إليها؟ والحقيقة أنه بقدر ما أن مصر في حاجة إلى السعودية، فإن الأخيرة في حاجة إلى مصر أيضاً. لماذا إذاً تكون اللغة مباشرة هنا؟ وأقل مباشرة هناك؟ هل يعبر هذا عن خشية مصرية دفينة بأن تتحقق للسعودية مكاسب في الشام واليمن ترى أنها لن تكون في مصلحتها؟ أم أنه يعبر عن ظاهرة مزمنة، وهي أن الدول العربية لا تملك القدرة على الاتفاق في ما بينها وتشكيل تحالفات تتحقق فيها مصالح مشتركة؟
نواجه الغموض المصري ذاته في موضوع آخر تناوله الوزيران في مؤتمرهما الصحافي، وهو التدخلات الأجنبية في العالم العربي. فقد ذكر الجبير إيران بالاسم باعتبارها الوحيدة التي تقوم بهذا التدخل. وأكد الوزير شكري «رفض مصر وجود أي تدخلات خارجية من خارج الإقليم في المقدرات العربية أو في الأمن العربي، ورفض أية محاولة للنفاذ أو فرض النفوذ والوصايا على الأمة العربية ويتم مواجهتها بكل حزم في إطار الدفاع عن هذا الأمن القومي»، لكنه تفادى ذكر إيران، وما تقوم به في العراق، وسورية، ولبنان، خصوصاً توظيفها للميليشيات بصفتها أداة للحرب بالوكالة في العالم العربي.
ربما أن مصر بهذا الموقف تحاول أن تتميز عن السعودية، بإعطاء نفسها مساحة للحركة للتفاهم مع إيران. وهذا تقليد متعارف عليه ومقبول، لكن من الواضح أن إيران تجاوزت بحجم تدخلاتها حدود مثل هذا التفاهم المنشود. هي تحاول أن تجعل من تدخلها أمراً واقعاً على الجميع قبوله والتعايش معه، بهدف تحويل ما حصلت عليه إلى مكاسب ثابتة، وجزء من ترتيبات إقليمية جديدة ومختلفة، لا علاقة لها بعروبة هذه الدولة أو تلك. إيران تعتبر أن مرشدها الأعلى هو مرشد للمسلمين أيضاً، والدول العربية مساحة إسلامية متاحة لها ولمصالحها. ثم إنها لم تضع كل هذه الاستثمارات المالية والعسكرية والسياسية الضخمة في العراق وسورية ولبنان من أجل أن تتفاهم على التخلي عنها لمصلحة هذه الدولة العربية أو تلك. والغريب أن مصر في عهد عبدالناصر كانت تعتبر إيران (في عهد الشاه) بمثابة العدو، بعد إسرائيل، على رغم أنها لم تصل في تدخلاتها وعدوانيتها تجاه العرب إلى ما وصلت إليه الآن بعدما أصبحت «جمهورية إسلامية»، وقطعت علاقاتها مع إسرائيل.
ما الذي تغير؟ يعيدنا هذا السؤال إلى موضوع «الإخوان المسلمين» الذي يقول تقرير «الشروق» بأنه نقطة الخلاف الرئيسة بين الرياض والقاهرة. وأكثر ما يلفت النظر في حديث المصادر المصرية الرسمية للصحيفة هو القول أن «المبالغة» في الانفتاح على أذرع جماعة الإخوان المسلمين سيؤدي «بهم»... للسيطرة على جميع العواصم العربية. يوحي هذا الكلام بأن الطريقة التي تعاملت بها مصر مع مشكلة «الإخوان» في الداخل لم تؤدِ إلى حلها، بل جعلت منها مأزقاً مصرياً مؤرقاً، يكبل خياراتها الاستراتيجية إقليمياً في مثل هذه المرحلة الحرجة عربياً. الخيار الاستراتيجي هو تحالف سعودي- مصري لمحاربة التطرف، وإعادة الروح والصدقية لمفهوم الدولة أمام تفشي ظاهرة الميليشيات بكل أطيافها التي تنتشر في العالم العربي، وتهدد الدولة في كل ركن من أركانه. ومن حيث إن إيران هي من يغذي هذه الظاهرة، فإنه يجب أن يكون هناك موقف عربي واحد أمام هذا الدور المدمر.
هل يتطلب ذلك منع «الإخوان» من المشاركة السياسية، أو الوصول إلى الحكم في هذا البلد العربي أو ذاك؟ إذا تحققت المشاركة وفقاً للرؤية المتفق عليها، أي لروح الدولة، وفي إطار عملية سياسية دستورية تتسع للجميع، وتضع حداً لأزمة مدمرة مثل الأزمة السورية أو اليمنية، فما المانع؟ في مثل هذه الحال يصبح الأمر شأناً محلياً، لا شأناً سعودياً أو مصرياً، كما هي الحال في المغرب، وتونس -مثلاً-. من ناحية أخرى، كيف يستقيم منع «الإخوان» في اليمن، في الوقت الذي يتفق الجميع على أن الحل هناك يجب ألا يستثني أحداً؟ وإذا كانت السعودية لا تعترض على الحوثيين باعتبارهم حزباً سياسياً غير مسلح، فلماذا عليها أن تعترض على جماعة الإصلاح؟ المنطق نفسه ينطبق في شكل أكبر على الموضوع السوري، لأنه لا يمكن محاربة الميليشيات المتطرفة هناك وهي كثيرة، سنيّة وشيعية، من دون تحالف قوى يمثّل الاعتدال ويلتزم برؤية الدولة من دون «الإخوان». البديل الوحيد لذلك هو تحالف إقليمي شبيه بعاصفة الحزم. هل هذا مقبول من القاهرة؟
يبدو أن ما نشرته «الشروق» أقرب إلى الحقيقة مما نقلته التقارير الصحافية الأخرى. هناك قلق مصري من خيارات السعودية، لكنه قلق من دون رؤية أو بدائل. هو من نوع القلق المثير للقلق. في الماضي كانت السعودية هي القلقة من خيارات مصر. الآن يتبادل البلدان المواقع، ما يعكس عدم وجود رؤية مشتركة، وهذه ثغرة تتسلل منها إيران والميليشيات والإرهاب إلى المنطقة

 

arabstoday

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 03:56 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 03:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 03:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 03:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 03:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 03:37 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

فلسطين وإسرائيل في وستمنستر

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قلق مصري مثير للقلق قلق مصري مثير للقلق



الملكة رانيا تجسد الأناقة الملكية المعاصرة في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 14:05 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
 العرب اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 20:21 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

غارة إسرائيلية تقتل 7 فلسطينيين بمخيم النصيرات في وسط غزة

GMT 16:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

صورة إعلان «النصر» من «جبل الشيخ»

GMT 22:23 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

إصابة روبن دياز لاعب مانشستر سيتي وغيابه لمدة شهر

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 18:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مصر تحصل على قرض بقيمة مليار يورو من الاتحاد الأوروبي

GMT 10:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الزمالك يقترب من ضم التونسي علي يوسف لاعب هاكن السويدي

GMT 19:44 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

هزة أرضية بقوة 4 درجات تضرب منطقة جنوب غرب إيران

GMT 14:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

استشهاد رضيعة فى خيمتها بقطاع غزة بسبب البرد الشديد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab