أوباما أمام عاصفة أميركية

أوباما أمام عاصفة أميركية!

أوباما أمام عاصفة أميركية!

 العرب اليوم -

أوباما أمام عاصفة أميركية

خالد الدخيل


بعد لحظات من توقيع الاتفاق النووي بين الدول 5+1 وإيران يوم الثلثاء الماضي انفجر جدل واسع، حاد أحياناً، داخل الولايات المتحدة بين مؤيد ومعارض. وبات من الواضح أن إدارة أوباما كانت تتوقع أن الاتفاق، بالصيغة التي انتهى إليها، سيكون موضوعاً لجدل حاد سينقسم الرأي العام إزاءه في شكل قد يؤثر سلباً في مآله في الكونغرس. لذلك، سارع الرئيس باراك أوباما إلى استباق الحدث بأن أعطى أولاً حديثاً مطولاً لصحيفة الـ «نيويورك تايمز» المؤيدة في اليوم نفسه، وبعد ساعات من إعلان الاتفاق. ثم في اليوم التالي، عقد مؤتمراً صحافياً طويلاً لتقديم مرافعة مفصلة عن الاتفاق كإنجاز كبير لمصلحة الأمن القومي الأميركي. وكان من الواضح في حملة الرئيس الإعلامية أن جانب الإنجاز الذي يشير إليه يتمحور حول مسألة واحدة، وهي أن الاتفاق يمنع إيران من إمكان امتلاك سلاح نووي.

لم يفاجأ الرئيس ولا إدارته بكمّ الانتقادات التي وجهت للاتفاق، ولا للاستراتيجية التفاوضية التي اعتمدها، وبالتالي لأداء فريقه التفاوضي، منذ اللحظات الأولى التي أعقبت إعلان الاتفاق. لكن يبدو أن الرئيس فوجئ بحدة المعارضة أحياناً لما يعتبره هو إنجازاً ديبلوماسياً. وبرز ذلك في المواجهة التي حصلت في المؤتمر الصحافي بينه وبين مندوب محطة CBS الشهيرة ميجور غاريت، إذ اتهم غاريت الرئيس بأنه يحتفل بالاتفاق هنا في واشنطن غير آبه بمصير أربعة صحافيين أميركيين في السجون الإيرانية، إلى جانب أنه أذعن لتمرير الاتفاق بتقديم آخر التنازلات برفع الحظر، ولو بعد سنوات، عن إيران في موضوع الأسلحة التقليدية، والصواريخ الباليستية، في موقف مخالف لرئيس أركان الجيوش الأميركية مارتن ديمبسي، الذي رأى في شهادة له أمام الكونغرس أنه لا ينبغي رفع هذا الحظر تحت أي ظرف من الظروف. ومع أن إجابة أوباما اتسمت في بدايتها بحدة واضحة تجاه غاريت، إلا أنه حاول تبرير موقفه من المسألتين، لكن من دون نجاح في وضع حد لجدل من الواضح أنه سيتصاعد، خصوصاً مع بداية مناقشة الاتفاق في الكونغرس.

من هنا ليس من المبالغة القول إن ردود الفعل الأولى تكشف أن هناك تياراً قوياً وواسعاً داخل الولايات المتحدة يعارض الاتفاق النووي بالصيغة التي انتهى إليها. مايكل جيرسون، مثلاً، وصف الاتفاق في الـ «واشنطن بوست» بأنه متهور. أما الكاتب اليميني المعروف تشارلز كروثهامر فاعتبر الاتفاق في الصحيفة نفسها الأسوأ في تاريخ الديبلوماسية. مجلة «آتلانتيك» نشرت نقاشاً مطولاً بين ثلاثة كتّاب تباينت وجهات نظرهم في شكل لم يحسم الجدل بوضوح. اللافت في غمرة الجدل حتى الآن أن صحيفة «واشنطن بوست» تعارض الاتفاق، في مقابل صحيفة «نيويورك تايمز» التي تؤيده لأنه يمنع وقوع الحرب. لكن اللافت أيضاً أن ردود فعل المؤيدين للاتفاق، أو الذين يغلبون تأييده على معارضته، تميزت بأنها أكثر تردداً وحذراً في التعبير عن مواقفهم في مقابل المعارضين الذين كانوا أكثر وضوحاً وحسماً. من هنا خلت مداخلات المؤيدين من عناوين ومواقف حادة ومباشرة. ولعل أكثر ما ميز مواقف هؤلاء أنها أكثر ميلاً للتبرير منه للتحليل، إذ ينطلق هؤلاء من أن الاتفاق حقق الهدف الذي كان ينتظر منه، وهو وضع حد للطموحات النووية لإيران من دون اللجوء لخيار الحرب. هم يعترفون بأن هذا الحد الذي تم إنجازه موقت، أو محصور بفترة زمنية تتراوح بين عشر وخمس عشرة سنة، هي عمر صلاحية الاتفاق. كما يعترفون بأن الاتفاق همش السلوك السياسي لإيران، وجعله خارج المفاوضات تماماً. لكنهم يتفقون مع الرئيس أوباما على أن هذا هو ما كان ممكناً تحقيقه في ظل المعطيات الإقليمية والدولية، والتوازنات التي تخضع لها في الظروف الحالية.

في المقابل من الواضح أيضاً أنه ليست هناك معارضة للهدف الذي يفترض أن الاتفاق كان يسعى إلى تحقيقه. وإنما تتركز المعارضة حالياً على نقطة واحدة، وهي أن الاتفاق أقرب من الناحية التقنية للفشل في تحقيق الهدف المنشود منه. فهو من ناحية يبقي على المنشآت النووية الإيرانية كما هي. ولأن القيود التي يضعها على النشاطات النووية، من ناحية ثانية، موقتة لا تتجاوز في غالبيتها خمس عشرة سنة، فإن هذا يعني أنه من حق إيران التحلل من تلك القيود، واستئناف وتطوير نشاطاتها النووية بعد هذه المدة. وبالتالي فالاتفاق اعتراف مقدم بإيران كدولة على عتبة امتلاك السلاح النووي. وما يأخذه المعارضون على إدارة أوباما من هذه الزاوية أنها بدايةً، قبلت بمبدأ التفاوض على اتفاق من هذا النوع، وبالتالي لم يعد أمامها غير القبول بالصيغة التي انتهى إليها، وكل ذلك من دون أي ثمن سياسي مقابل. وهذا هو المعنى الذي ركز عليه أوباما في حملته الإعلامية بأنه لم يكن هناك إمكان لاتفاق أفضل، وأن على المعترضين تقديم البديل الذي يرون أنه الأفضل في هذه الحال. لكنّ معارضي الرئيس يرون أنه هو الذي حصر خياراته في التفاوض على الجانب التقني للاتفاق، متجاهلاً البعد السياسي تماماً، ومن ثم فإن حديثه عن البديل هنا غير ذي معنى، إلا في حال إقراره أولاً بعلاقة وأهمية هذا البعد السياسي للموضوع. ويرى المعارضون أن تجاهل الرئيس للبعد السياسي نابع أولاً من ميله الطاغي لعدم المواجهة، ومن رغبته القوية في تحقيق أي إنجاز يبدو له أنه مهم لإرثه في السياسة الخارجية، وبأي ثمن. وفي سبيل ذلك يرى هؤلاء المعترضون أن الرئيس قدم تنازلات سياسية مسبقة قبل دخوله إلى المفاوضات: سلم بالنفوذ الإيراني في العراق، وفي سورية. وقبل ذلك تنازل عن خطه الأحمر في ما يتعلق باستخدام النظام السوري السلاح الكيماوي. فعل كل ذلك حتى لا يصطدم سياسياً بإيران، ويعرقل التفاوض النووي معها. بمثل هذا الموقف أظهر أوباما أن أميركا في عهده أضعف سياسياً مما هي عليه في حقيقة الأمر، أو هكذا يبدو. وهذا تحديداً ما يجعل أقوى نقاط المعترضين على الاتفاق تتعلق بالناحية السياسية، بمعنى أن الاتفاق كما تم التفاوض عليه، وبالصيغة التي انتهى إليها يوفر غطاء دولياً يبقي على السياسات الإيرانية في الشرق الأوسط كما هي، وهي سياسات تزعزع الاستقرار، وتنشر الإرهاب والفوضى في المنطقة، ومن ثم تشكل تحدياً للولايات المتحدة نفسها. يتساءل المعترضون: هل الاتفاق، وهو موقت في كل الأحوال، وبكل ما يعتريه من نقاط ضعف تقنية، يستحق مثل هذا الثمن السياسي الكبير؟ وهو سؤال فشل الرئيس حتى الآن في التعامل معه.

هذا ما يتعلق بالجانب الأميركي للجدل وردود الفعل على الاتفاق. ماذا عنا نحن في العالم العربي، وفي السعودية تحديداً باعتبارها شريكاً مهماً لأميركا؟ ما هو موقفنا مما حصل؟ وكيف ينبغي أن نتعامل معه؟ هذا ما سيكون موضوعنا في الأسبوع المقبل.

 

arabstoday

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 03:56 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 03:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 03:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 03:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 03:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 03:37 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

فلسطين وإسرائيل في وستمنستر

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أوباما أمام عاصفة أميركية أوباما أمام عاصفة أميركية



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 20:21 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

غارة إسرائيلية تقتل 7 فلسطينيين بمخيم النصيرات في وسط غزة

GMT 16:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

صورة إعلان «النصر» من «جبل الشيخ»

GMT 22:23 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

إصابة روبن دياز لاعب مانشستر سيتي وغيابه لمدة شهر

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 18:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مصر تحصل على قرض بقيمة مليار يورو من الاتحاد الأوروبي

GMT 10:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الزمالك يقترب من ضم التونسي علي يوسف لاعب هاكن السويدي

GMT 19:44 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

هزة أرضية بقوة 4 درجات تضرب منطقة جنوب غرب إيران

GMT 14:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

استشهاد رضيعة فى خيمتها بقطاع غزة بسبب البرد الشديد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab