أميركا وإيران المواجهة تعود إلى المشهد

أميركا وإيران: المواجهة تعود إلى المشهد

أميركا وإيران: المواجهة تعود إلى المشهد

 العرب اليوم -

أميركا وإيران المواجهة تعود إلى المشهد

خالد الدخيل

بات بعض معالم ما يمكن أن يفضي إليه فوز دونالد ترامب بالرئاسة الأميركية يتضح، خصوصاً في الشرق الأوسط. لماذا هذه المنطقة؟ لأنها تعتمل فيها حروب دينية في العراق وسورية، وتعاني من حالة تصدع سياسي لم تعرفه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وتلتقي فيها بالتالي عناصر صدام خطيرة بين أهم القوى الإقليمية والعالمية.
قدوم إدارة ترامب إلى البيت الأبيض يضيف إلى هذه الصورة القاتمة عنصراً كان مفقوداً أيام إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، وهو عودة واشنطن كلاعب مباشر في أحداث المنطقة بتوجه أيديولوجي تصادمي، ومن دون أجندة سياسية واضحة. وإذا كانت خطورة هذه العودة أنها تأتي إلى منطقة مضطربة، وعلى يد رئيس يفتقد الخبرة السياسية، ويُتهم بالجهل وبميول عنصرية، وفوق ذلك مع فريق غير متجانس سياسياً، فإنها تترك الأبواب مفتوحة أمام كل الاحتمالات، بما فيها الحرب. المفارقة هنا أن إدارة أوباما السابقة التي كانت من دون التزام أيديولوجي، ومن دون سياسة خارجية متماسكة، ساهمت في توسيع مساحات الفراغ وجعلها مفتوحة أمام التمدد الروسي والإيراني، والإرهاب بنسخته الشيعية التي تتبناها إيران، ونسخته السنّية السائبة، ومن ثم أمام التطورات الأخيرة.
خطورة عودة أميركا على النحو الذي تنتهجه إدارة ترامب تتكامل تماماً مع الدور الإيراني في المشهد الذي يتخلق أمامنا من جديد حالياً. فهذه العودة تعيد صدام واشنطن مع طهران ليحتل واجهة المشهد من جديد. وقد اتضح ذلك في أجلى صوره حتى الآن في اختيار إيران الأسبوع الأول من إدارة ترامب للمبادرة إلى إجراء تجربة على صواريخ باليستية، فيما بدا أنه اختبار لرد فعل الإدارة الجديدة. وقد جاء رد الفعل سريعاً وقوياً في الوقت ذاته، إذ بادرت هذه الإدارة إلى فرض حزمة عقوبات على 25 كياناً إيرانياً، ووجهت تحذيراً مباشراً لإيران من الاستمرار في هذه النهج. والجديد، وغير المسبوق في موقف إدارة ترامب، أنها اعتبرت أن الوجود الإيراني في العراق ابتلع هذا البلد في الوقت الذي خسرت أميركا، كما يقول ترامب في تغريدة له، ثلاثة تريليونات دولار أميركي. وهذا تطور جديد لم يألفه الإيرانيون، يسلط الضوء لأول مرة على طبيعة وجودهم في العراق، وسيأخذ على الأرجح حقه من الاهتمام في طهران.
استفادت إيران كثيراً من انكفاء أوباما لتعزيز احتلالها عملياً كلاً من العراق وسورية، ولإبعاد سياساتها الطائفية عن الاهتمام العالمي. كما استفادت من تفادي الصدام المباشر مع الولايات المتحدة، والغرب عموماً، بتبنيها ما بات يعرف بنهج الحروب بالوكالة في المنطقة، من خلال إنشاء وتسليح ميليشيات تتبنى أيديولوجيتها الدينية، وتشاركها الأجندة السياسية، وتحارب بالوكالة عنها، وتغطي بالتالي وجودها ونفوذها السياسي حيث تعتمل تلك الحروب. من هذه الزاوية، تكون إيران تغامر بالمبادرة بما قد يفرض عليها التخلي عن نهجها، والانزلاق نحو صدام مباشر كانت تحاول تفاديه. إشكالية إيران أنها تتمسّك على مستوى الخطاب بلغة صدامية لا تتعفف عن التصعيد. وهي تفعل ذلك ربما لتحييد التيار المحافظ داخل النظام الذي يقال أنه يعارض التفاهم أو التقارب مع الغرب. ما يقلق إيران أنه إذا حصل الصدام، لأي سبب، فستسقط معه مباشرة مقولة أن الإرهاب السنّي هو الإرهاب الوحيد الذي يستهدف الغرب ويهدد أمنه في الداخل، ومصالحه في الخارج. ومعه تكتمل صورة العودة الأميركية مع عنصر المغامرة في السلوك الإيراني، ما يضع إدارة ترامب بتوجهاتها اليمينية المندفعة وجهاً لوجه مع النظام اليميني - الديني الإيراني في منطقة ملتهبة، ومفتوحة أمام كل الاحتمالات. وهذا تطور كان مستبعداً من قبل.
وما قد يعزز احتمال الصدام ما نقلته صحيفة «الحياة» أمس السبت عن مسؤول فرنسي رفيع تقول أنه تحادث مع مسؤولين في الأمن القومي الأميركي في واشنطن. وتنقل الصحيفة عنه قوله أن «الأولوية لدى واشنطن في سورية هي إزالة داعش، وإخراج الإيرانيين وحزب الله منها». ويضيف أنه ليست هناك مشكلة لدى الأميركيين «في التحاور مع الروس والحكومة السورية»، بل إنهم يريدون اتفاقاً مع الروس يتركز على تقليص النفوذ الإيراني في سورية حتى مع بقاء بشار الأسد». وفرنسا، كما يقول المسؤول الفرنسي، ترى في موقف الإدارة الجديدة «إيجابية كبرى» كانت تفتقدها سياسة الإدارة السابقة. إذا صحَّ ما نقله المسؤول الفرنسي فإنه يضع طهران في زاوية حرجة أمام هذا الموقف الأميركي الجديد. لأنه موقف يتسع لتفاهم مع روسيا، التي نظراً إلى خلافاتها مع إيران في إدارة الأزمة السورية، قد تشاطر واشنطن وضع حد للنفوذ الإيراني في سورية. والزاوية الحرجة التي ستجد إيران نفسها فيها أنها الوحيدة التي تعتمد في دورها حصرياً هناك على بقاء الميليشيات الشيعية، وأن حاجتها لبقاء الأسد مرتبطة عضوياً ببقاء هذه الميليشيات. بالتالي فإن فصل الارتباط بين بقاء الأسد وبقاء هذه الميليشيات، كما ترى إدارة ترامب، سيشكل إذا نجح ضربة قاتلة للاستراتيجية الإيرانية.
نجاح الإدارة في هذا الاتجاه يعتمد على تفاهم مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يمسك بملف الأزمة السورية، ولا بد أنه يرى أن التفاهم مع واشنطن يجب أن يتسع ليشمل شرق أوروبا، خصوصاً الأزمة في أوكرانيا. لهذا، يلتزم بوتين الصمت حتى الآن حيال خروج التجاذب الأميركي - الإيراني إلى العلن. وهو صمت ينتظر كما يبدو تبلور خطة الإدارة الجديدة في سورية، واتضاح أثمان وضع حد للنفوذ الإيراني فيها. ومع غياب تفاهم أميركي - روسي، يتجه الصدام بين أميركا وإيران نحو التصعيد في العراق وسورية، إلا إذا اختارت طهران التهدئة. لكن، كيف يمكنها التهدئة وهي تعرف أن إدارة ترامب تساوي بين خطورة دورها ودور «داعش»؟
كان أوباما يحارب «داعش» بالتحالف مع ميليشيات إيران في العراق. الإدارة الجديدة تريد أن تضع حداً لهذه السياسة، وأن تفصل الأسد عن إيران، والأخيرة عن روسيا. السؤال ما الذي ستفعله إيران وقد باتت بميليشياتها تحت ضوء الاتهام بجوار «داعش»؟ وأن هذا الموضوع سيفرض ذاته على طاولة حوارات ومفاوضات في عواصم إقليمية ودولية كثيرة. هذا أخطر سؤال تواجهه إيران منذ نهاية الحرب العراقية - الإيرانية.

المصدر: جريدة الحياة

arabstoday

GMT 04:01 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

«عشاء» غيَّر العالم!

GMT 05:03 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

لو خسر ترامب

GMT 09:12 2024 الأحد ,01 أيلول / سبتمبر

لا حاجة إيرانية بعد... للاستعانة بابتسامة ظريف

GMT 05:46 2024 الأحد ,28 تموز / يوليو

فى انتظار كامالا هاريس!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أميركا وإيران المواجهة تعود إلى المشهد أميركا وإيران المواجهة تعود إلى المشهد



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 07:48 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
 العرب اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 09:23 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
 العرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 08:36 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

ياسمين رئيس في لفتة إنسانية تجاه طفلة من معجباتها

GMT 10:02 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

نقل عدوى لبنان إلى العراق

GMT 06:33 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

ثلاث دوائر

GMT 08:28 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

منة شلبي توجّه رسالة شكر لجمهور السعودية بعد نجاح مسرحيتها

GMT 06:46 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

العلاقات التركية السورية تاريخ معقد

GMT 07:12 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

ماذا وراء موقف واشنطن في حلب؟

GMT 07:17 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

اليمامة تحلّق بجناحي المترو في الرياض

GMT 23:47 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

فيفا يعين الأميركية جيل إليس رئيس تنفيذى لكرة القدم

GMT 01:25 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

وفاة 143 شخصًا بمرض غامض في الكونغو خلال أسبوعين

GMT 10:21 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

"أرامكو" السعودية توقع اتفاقية مع شركتين لاستخلاص الكربون
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab