لا حرب إيرانية  إسرائيلية

لا حرب إيرانية - إسرائيلية

لا حرب إيرانية - إسرائيلية

 العرب اليوم -

لا حرب إيرانية  إسرائيلية

بقلم : خالد الدخيل

أخذت تتردد في الأيام الأخيرة أحاديث إعلامية عن إمكان مواجهة عسكرية مباشرة بين إسرائيل وإيران على المسرح السوري المستباح. كانت البداية مع إسقاط سلاح الجو الإسرائيلي طائرة درون (من دون طيار) إيرانية داخل فلسطين المحتلة. بعدها بأيام نفذت إسرائيل هجوماً جوياً دمر وفق صحيفة هآرتز الإسرائيلية، ما وصف بأنه نظام دفاع إيراني في قاعدة تي فور (T4) السورية. عندها بدأت التقارير والتحليلات تتراءى عن أن احتمالات المواجهة المباشرة بين الطرفين آخذة في الاقتراب.

وقد تعزز ذلك قبل يومين بتبادل تصريحات نارية متبادلة بين الطرفين. نائب قائد الحرس الثوري، الجنرال حسين سلامي، خاطب الإسرائيليين بقوله «الأيادي على الزناد، وصواريخنا جاهزة للإطلاق... أنتم محاصرون... وتعيشون في فم الثعبان. لا تعقدوا أمالاً على أميركا وبريطانيا. لن يبقى لكم أثر عندما يصلون. في حال اندلاع حرب كونوا على يقين بأنها ستؤدي إلى محوكم». هذه تذكرنا بتصريحات الرئيس العراقي الراحل، صدام حسين، عام 1990، وهي تصريحات أكثر تواضعاً. إذ قال حينها بأنه إذا تعرض العراق لهجوم إسرائيلي فإن العراق مضطر لإحراق نصف إسرائيل. من جانبه نصح وزير الدفاع الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، «جميع من هم على الحدود الشمالية أن يفكروا جيداً قبل أي فعل». مضيفاً أنه « ليس من مصلحتهم اختبار الجيش الإسرائيلي. نحن جاهزون لأي سيناريو».

هل يحمل هذا التراشق الإعلامي مؤشراً على اقتراب مواجهة مباشرة؟ أبداً. هذه ليست المرة الأولى التي تهدد فيها إيران بإزالة إسرائيل. هو تهديد يؤخذ ضدها سياسياً في حسابات الغرب والشرق. لكنه لا يؤخذ على محمل الجد. لو كان هدف إيران الحقيقي إزالة إسرائيل، لما دأب بعض قادتها، خصوصاً من الحرس الثوري، على ترديده عند كل مناسبة. مثل هذا الهدف يعني حرفياً في نظر الغرب العودة إلى سياسة المحرقة، فضلاً عن أنه يستهدف إعادة رسم الخريطة الجغرافية والسياسية للمنطقة. وليس من العقل والمنطق ترديد المجاهرة بذلك من قبل دولة لا قِبل لها أبداً بمثل هذه المهمة. وهي مهمة تضعها في حال صدام مدمر مع الغرب، بما في ذلك روسيا التي تتحالف معها طهران في سورية. وما صمت الغرب على تصريحات إيران إلا لأنهم يدركون بأن المستهدف من ترديدها ليس إسرائيل، وإنما عواطف وخيالات العرب والمسلمين، وهي عواطف مكلومة على خلفية الصراع العربي الإسرائيلي.

تهديدات إيران هذه لم تعد تؤخذ على محمل الجد حتى بين العرب والمسلمين. إذ كشفت ثورات الربيع العربي أن إيران تشترك مع إسرائيل في احتلال دول وأراضٍ عربية تتجاوز في حجمها كثيراً ما تحتله إسرائيل. السؤال في هذه الحالة، وبعد وضع موضوع القدرات جانباً: لماذا تريد إيران إزالة إسرائيل وهي توفر لها غطاء لاحتلال لا تستطيع المجاهرة به كما تفعل تل أبيب؟ احتلال إسرائيل معلن ومباشر، ويحظى بدعم غربي وروسي نهائي. أما احتلال إيران (في كل من العراق وسورية ولبنان) فهو في أغلبه احتلال بالوكالة من خلال ميليشيات ترتبط بها مذهبياً. ترى هذه الميليشيات أن نجاح إيران في مشروعها المذهبي في المنطقة يمثل رافعة لها داخل بلدانها. وبقدر ما أن الاحتلال بالوكالة يؤكد حرج إيران، إلا أنه يوفر لها غطاء يسمح لها بالمناورة في رفض تهمة الاحتلال بدعوى أنها مدعوة من قبل حكومات «شرعية». تسمح لها هذه الحكومات بإنشاء وتدريب وتسليح الميليشيات لصالح حمايتها من أعدائها السنة. يتكامل هذا الغطاء في شكل مزدوج مع الغطاء الإسرائيلي. إسرائيل كما تصورها إيران، ويصورها إعلام «المقاومة» الذي يعتاش على طهران، هي العدو الأول والأخير للعرب والمسلمين. أي محاولة لمواجهة إيران والحال كذلك تنطوي على تخل عن مواجهة احتلال مباشر لصالح الوقوف في وجه احتلال غير مباشر. سفسطة الأول، فالأول. من ناحية ثانية، إذا كان هدف إيران من احتلال دول عربية هو تحرير فلسطين، وإزالة إسرائيل من الوجود، فلماذا الاحتجاج؟! سؤال انتهازي فاقع، يتداخل مع سذاجة مصطنعة يستسلم لها بعض العرب تحت وطأة الشعور بالضعف والهزيمة.

هل من مصلحة إيران إزالة إسرائيل في هذه الحالة؟ هناك اعتبارات أخرى لا تقل أهمية تمنع المواجهة. أولها أن إسرائيل ترى في الدور الإقليمي لإيران جوانب إيجابية لها. فمن حيث أنه دور يرتكز إلى أيديولوجيا طائفية، وأداته ميليشيا من الصنف ذاته، هو يضاعف الانقسامات العربية طائفياً، ويتوافق مع مصلحة إسرائيلية قديمة. الفرق الآن أن إسرائيل تقطف ثماره من دون ثمن. منذ إنشائها عام 1948 كانت إسرائيل تواجه مقاومة شرسة من كتلة عربية سنية هائلة في حجمها تمتد من المغرب العربي في شمال أفريقيا إلى المشرق العربي في شرق آسيا. دخول إيران إلى هذا المشرق بأيديولوجيا وميليشيات مذهبية شيعية، بالتعاون مع حكومات محلية من المنطلق المذهبي ذاته، يخدم تفكيك هذه الكتلة، وإضعاف هيمنتها على المنطقة. وهذا بدوره يصب في مصلحة إسرائيل وإيران بغض النظر عن النوايا والأهداف النهائية لكل منهما. منطلق كل منهما في مشروعه هو منطلق ديني طائفي. لا يعني هذا أن بينهما مؤامرة مشتركة. ما بينهما تواطؤ تاريخي ضد العرب. وهؤلاء العرب كهدف مشترك هو ما يمنع الصدام بينهما حتى الآن.

المشروع الإسرائيلي أوجد لنفسه أرضية في فلسطين. يتخذ حتى الآن شكل الشعب من أجل الجيش وليس العكس. لكنه يحظى بقوة تدميرية كبيرة، وبشرعية دولية واسعة، فضلا عن تعهد غربي واسع بحمايته. أما المشروع الإيراني فلا يزال في بداياته، ولا يحظى بقوة عسكرية وازنة في ظل غياب سلاح للجو، وتجميد البرنامج النووي باتفاق دولي. يضاف إلى ذلك أنه مشروع لا يحظى بأي شرعية إقليمية أو دولية. بل يبدو أنه لا يحظى بشرعية واسعة حتى داخل إيران. أي مواجهة عسكرية مباشرة في هذا الإطار ستكون مدمرة بالنسبة لإيران. القيادة الإيرانية تدرك ذلك، خصوصاً الجناح السياسي الذي يبتعد في شكل واضح ومتعمد عن التورط في عنتريات مكشوفة. وهو ابتعاد يوحي بانقسام داخل القيادة. قبل هذا وذاك لا تملك إيران القدرة على فتح جبهة مباشرة مع إسرائيل وهي تتفوق عليها عسكرياً، وجبهاتها في العراق وسورية واليمن لا تزال مفتوحة وفي بداياتها. لنتذكر بأن عمر جبهتها العراقية يقترب من العقدين الآن. وجبهتها اللبنانية غير قابلة للإغلاق منذ 1982. أي حديث عن مواجهة وشيكة مع الدولة العبرية هو من نوع التهويل الذي يطرب له المرشد في طهران، وحسن نصرالله في بيروت. ليس أكثر من ذلك.

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
المصدر: الحياة

arabstoday

GMT 22:14 2020 الخميس ,06 آب / أغسطس

أخبار عن اللاساميّة وماليزيا وآيا صوفيا

GMT 00:18 2020 الأربعاء ,05 آب / أغسطس

رسالة إسرائيلية.. أم إنفجار؟

GMT 03:49 2019 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

الموجة الجديدة من الحراك العربي

GMT 03:43 2019 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان بين صيغتين

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لا حرب إيرانية  إسرائيلية لا حرب إيرانية  إسرائيلية



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
 العرب اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 14:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
 العرب اليوم - شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
 العرب اليوم - "نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 07:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 05:57 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مشكلة العقلين الإسرائيلي والفلسطيني

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نجاة نهال عنبر وأسرتها من موت محقق

GMT 22:56 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل 3 جنود لبنانيين في قصف إسرائيلي

GMT 09:48 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

بيب غوارديولا يوافق على عقد جديد مع مانشستر سيتي

GMT 18:37 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن تفرض عقوبات على 6 قادة من حركة حماس

GMT 16:42 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

جماعة الحوثي تعلن استهداف سفينة في البحر الأحمر

GMT 08:32 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يُعلّق على فوزه بجائزة عمر الشريف

GMT 06:43 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب الطامح إلى دور شبه ديكتاتور!

GMT 11:51 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

تليغرام يطلق تحديثات ضخمة لاستعادة ثقة مستخدميه من جديد

GMT 08:04 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد العوضي يكشف عن بطلة مسلسله بعد انتقاد الجمهور

GMT 06:02 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

نعم... نحتاج لأهل الفكر في هذا العصر

GMT 03:04 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تطالب بتبني قرار لوقف إطلاق النار في قطاع غزة

GMT 06:00 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتلة صورة النصر

GMT 18:42 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مسلسل جديد يجمع حسن الرداد وإيمي سمير غانم في رمضان 2025

GMT 18:00 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يكشف سر تكريم أحمد عز في مهرجان القاهرة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab