محسن رضائي وعقدة الماضي

محسن رضائي وعقدة الماضي

محسن رضائي وعقدة الماضي

 العرب اليوم -

محسن رضائي وعقدة الماضي

بقلم - مصطفى فحص

لست على علم بما إذا سنحت الفرصة للقائد الأسبق لـ«الحرس الثوري» الإيراني أمين سر «مجلس تشخيص مصلحة النظام» الجنرال محسن رضائي، بزيارة العاصمة الإيطالية روما والتجول في أحيائها التاريخية، لكان قد توقف ملياً أمام جدارية ضخمة عُلقت في أحد الشوارع المتفرعة من جانب «حلبة الموت الرومانية (كولوسيوم)»، تروي باختصار المراحل التي مرت بها الإمبراطورية الرومانية، وإن لم تخني الذاكرة؛ فقد عُلقت 3 خرائط لها دلالاتها في الجغرافيا السياسية لروما؛ الأولى خريطة للنفوذ الإمبراطوري في أوج توسع تاريخي عرفته روما، أما الثانية فتظهر تراجع نفوذها بعد انقسامها إلى جزأين (غربي وشرقي)، أما الثالثة فقد تقلصت إلى حدود مدينة روما الحالية.
الفارق ما بين من يحكم العاصمة الإيطالية حالياً والعاصمة الإيرانية؛ أن الأول تحرر من عقده التاريخية وقرر الاندماج الكامل في المجتمعين الأوروبي والدولي والالتزام بشروطهما السياسية والاقتصادية والجغرافية، أما الثاني فهو حتى الآن يكابر ولم يتخلص من عقدة الماضي، لذلك يستدعيه كلما واجه أزمة في تعريف هويته أو من أجل الدفاع عن طبيعته أو في علاقته مع جواره. وما قاله الجنرال محسن رضائي في محاضرة طلابية تحت عنوان: «السلطة العلمية واستمرار الثورة الإسلامية» أوضح تعبير عن الهاجس التوسعي المسيطر على عقول صناع القرار في طهران، ففي لقائه دعا رضائي إلى «إعادة المجد والجلالة والكبرياء لإيران العظمى، وإن تشكلت إيران العظمي في شمال الخليج وبحر عُمان فستضم 15 بلداً ستتدخل في السياسة العالمية».
في متخيل رضائي نزعة سوفياتية لكيفية تشخيص علاقة إيران مع الدول الكبرى، فبالنسبة له إيران العظمى تخيف الغرب أكثر من القنبلة النووية، في استنساخ لتجربة الاتحاد السوفياتي الذي تشكل من 15 دولة أيضاً شكلت حيزاً جيواستراتيجياً أشبه بإمبراطورية قارّية مترامية الأطراف، فالدول العظمى كانت مجبرة على الذهاب إلى موسكو السوفياتية لمخاطبة؛ ليس فقط جمهوريات الاتحاد السوفياتي، بل لمخاطبة المعسكر الاشتراكي ومن ضمنه «حلف وارسو» الذي كان جنوده يسيطرون على نحو نصف القارة الأوروبية. وما يريده رضائي أو يرغب فيه من جانب الأوروبيين الذين تعاملوا بحذر مع ترسانة الصواريخ الاستراتيجية الروسية والجغرافيا السياسية للمعسكر الشرقي، أن يتصرفوا مع ما وصفها بـ«إيران العظمى» بالحذر نفسه؛ إذ قال: «إن قرر أحد زيارة المنطقة، فعليه أن يزور إيران أولاً، ويخاطب طهران، وهذا ما يخافه الغرب».
كلام رضائي يختصر سلوك إيران مع جوارها وفي الإقليم، فمنطق الأوهام تحول منذ سنوات عدة إلى مشاريع نفوذ أدت إلى صراعات دموية للسيطرة على المنطقة، ولم يعد نفوذها مرتبطاً بمشروعها النووي؛ بل يتصل مباشرة بمشروعها الاستراتيجي القائم على معادلة: «ينتهي نفوذنا حيث يصل مدى صواريخنا»، وهذا ما بات يهدد أمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط المرتبطة جغرافياً بأمن واستقرار أوروبا. وهنا يمكن تفسير ما قاله وزير الخارجية الألماني هايكو ماس: «ما نريده من إيران واضح... على إيران ألا تمتلك السلاح النووي، وعليها ألا تكون لها برامج صواريخ باليستية تهدد بها المنطقة برمتها. إيران يجب أن تلعب دوراً آخر في المنطقة». أزمة النظام الإيراني أن نُخبه ترفض التعلم من تجارب الآخرين، البعيدة والقريبة، ويتصرفون كأن إيران حالة استثنائية عابرة للتاريخ والجغرافيا، وحتى الآن لم يغادرهم ذلك الوهم الإمبراطوري، ويحاولون استعادته ولو افتراضياً، كما فعلت إحدى الصفحات الإلكترونية التابعة لـ«الحرس الثوري» منذ نحو أسبوع عندما تباهت بنشر صورة لخريطة الإمبراطورية الفارسية القديمة وأشارت إلى مدى توسعها. والملاحظ أن النظام عند كل مفصل سياسي يعود إلى ماضي بلاده التوسعي، لكنها عودة مرتبطة بأزمة داخلية لم يعد النظام يملك أجوبة مقنعة عنها؛ الأمر الذي يدفع إلى التساؤل: هل يواجه النظام مشكلة إقناع مواطنيه بتغطية طموحاته الإمبراطورية وفي تبني هويته العقائدية؟
يذكر أنه في الحملة الترويجية للانتخابات البرلمانية الأخيرة استعان نظام ولاية الفقيه بالتاريخ... عاد أكثر من 2500 سنة إلى الوراء؛ رُفعت على أحد جسور المُشاة في طهران لافتة رُسم عليها الوجه الافتراضي لأشهر الملوك الفرس، قوروش الكبير، مؤسس السلالة الأخمينية، وإلى جانبه خريطة للحدود التي وصلت إليها الإمبراطورية الفارسية في عهده، وكُتب عليها بالفارسية: «إيران الغد هي امتداد لطموحات قوروش»، وأن إمبراطوريته «تمتد من السِند وسيحون في الشرق إلى غزة ولبنان في الغرب».
ما لم تدركه قيادة «الحرس» أن ما تريد أن تستعيده، ولو افتراضياً، يتناقض مع واقع إيران الحالي في الداخل، ولا يمكن فرضه من خلال نفوذها الخارجي، فالداخل والخارج يواجهان تعقيدات ستترك أثرها على طبيعة النظام وعلى مشاريعه الجيوسياسية؛ حيث بدأ نفوذه في التقلص ويعاني من حرائق وصلت إلى حدائقه الخلفية.

 

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

محسن رضائي وعقدة الماضي محسن رضائي وعقدة الماضي



GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 09:52 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

أحمد حلمي يكشف تفاصيل لقائه بتركي آل الشيخ وجيسون ستاثام
 العرب اليوم - أحمد حلمي يكشف تفاصيل لقائه بتركي آل الشيخ وجيسون ستاثام

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 20:58 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الأميركي يقصف مواقع عسكرية في صنعاء

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

موسكو تسيطر على قرية بمنطقة أساسية في شرق أوكرانيا

GMT 14:19 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إلغاء إطلاق أقمار "MicroGEO" الصناعية فى اللحظة الأخيرة

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وفاة جورج إيستام الفائز بكأس العالم مع إنجلترا

GMT 17:29 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سائق يدهس شرطيا في لبنان

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إصابات بالاختناق خلال اقتحام الاحتلال قصرة جنوبي نابلس
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab