بقلم - مصطفى فحص
في اللقاء الحادي عشر الذي جمع رئيس الوزراء المكلف نجيب ميقاتي والرئيس ميشال عون، أعطى الأول جرعة أمل وهمية للبنانيين عندما أكد أن مسار التشكيل يمضي بسلاسة، لكنه أكد أيضاً أن تشكيلته الوزارية ستكون انعكاساً لولاءات سياسية، أي أن المنظومة الحاكمة إذا اتفقت أو توافقت على تأليف الحكومة فإنها ستكون تشكيلة محسنة سياسياً عن حكومة حسان دياب، وأقرب في المحاصصة إلى حكومة سعد الحريري الثانية في عهد ميشال عون.
يخضع المد والجزر في التأليف إلى حسابات القوى المتناقضة، وإذا كانوا يجمعون على ضرورة العودة مبدئياً إلى ما قبل انتفاضة «17 تشرين»، وإعادة ترميم جماعية للسلطة، إلا أن حساباتهم الخاصة الداخلية والخارجية تتسبب حتى الآن في عرقلة جدية للتشكيل، الذي لم يزل مساره محفوفاً بمخاطر التفجير، ورغم ضغوط الأزمات الداخلية والتداعيات الأمنية والمعيشية التي تسبب فيها أول تصدعات الارتطام، فإن هذه الطبقة تصر على حصصها وعلى رسم مسار الحكومة العتيدة من دون الأخذ بعين الاعتبار المصلحة العامة، بل على العكس هناك مَن يعتبر أنها فرصة حقيقية للقيام بثورة مضادة من أجل إخماد نهائي للانتفاضة، حيث يركز الطرف الأقوى في المنظومة هجومه في هذه المرحلة على قوى المجتمع المدني ويعتبرها أداة أميركية لزعزعة الاستقرار، فيما وصفها أحد أركان التركيبة اللبنانية بالفلول.
يطرح ميقاتي نفسه بالقادر على تحقيق خطوات إصلاحية تبدأ في الكهرباء والنفط مروراً بترشيد عملية رفع الدعم وتأمين احتياجات المؤسسات العسكرية والأمنية، إضافة إلى معالجة موضوع ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، وهو الملف الذي يتعامل معه الجميع بحذر شديد، خصوصاً بعد موقف الرئيس عون الأخير من الترسيم، حيث رفض إمضاء مرسوم الحكومة الذي يحدد المساحة البحرية اللبنانية عند الحدود بـ2290 كيلومتراً مربعاً، بينما تحددها الأمم المتحدة بـ860 كيلومتراً مربعاً، وأغلب الظنون أن عون رفض الإمضاء على مرسوم الحدود المعدل نزولاً عند رغبة وكيل وزارة الخارجية الأميركية ديفيد هيل الذي التقاه في آخر زيارة له لبيروت. كما أن المطلوب من ميقاتي مفاوضة البنك الدولي وصندوق النقد من أجل القيام ببعض الإصلاحات الإدارية المطلوبة بهدف الحصول على بعض الدعم الإنساني الذي يمكن أن تستفيد منه الطبقة السياسية انتخابياً، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هل الرئيس اللبناني يريد الانتخابات البرلمانية؟!
موقف عون من الانتخابات مركب، فهو لم يعد يضمن أغلبية نيابية تؤمّن انتقالاً آمناً للسلطة إلى وريثه جبران باسيل، كما أنه غير مستعد لأن يقدم فرصة جديدة لخصومه التقليديين في السلطة (بري وجنبلاط والحريري وفرنجية) لمحاصرته من جديد، وهو يتكل في المواجهة معهم على حياد «حزب الله» الذي يبدو أنه يسهل تشكيل الحكومة من جهته لكنه غير مستعد لأن يضغط على عون حفاظاً على ما تبقى له من غطاء مسيحي بعد حادثة قرية شويا الدرزية في الجنوب، وأحداث خلدة المؤلمة مع القبائل السنية العربية، إضافة إلى الضغوط المتزايدة داخل حاضنته الشيعية.
بالنسبة لعون فإنه لن يسهّل تشكيل حكومة من الممكن أن تقوم بإجراء الانتخابات النيابية من دون أن يمسك بثلثها المعطل، وأن تكون له حصة في وزارتي الداخلية والعدل لارتباطهما المباشر بالإجراءات الانتخابية، كما أنه يرغب في الحصول على أكثر من وزارة خدماتية أو حرمان منافسيه في الشارع المسيحي من الحصول عليها، وعلى الأرجح أن هدف ميشال عون من عدم تشكيل الحكومة والإبقاء على حكومة تصريف الأعمال، أن الحكومة المستقيلة ستعجز عن إجراء الانتخابات نتيجة الاضطرابات الاجتماعية والأمنية المحتملة وإفلاس مؤسسات الدولة، ما يضطر مجلس النواب إلى طرح مشروع التمديد لنفسه، وهي الفرصة التي يراهن عليها عون من أجل اعتبار المجلس فاقداً للشرعية، ما يسهل عليه عدم تسليم السلطة بعد نهاية ولايته الرئاسية، ما سيدفع إلى تسوية كبرى يطرح خلالها إما تعديل الدستور وإما الذهاب إلى مؤتمر تأسيسي، وهذا ما ينتظره «حزب الله».