بقلم - مصطفى فحص
صوت الماء أو «صداى آب» بالفارسية، وهو الذي يسمع الآن في عدة أقاليم إيرانية منتفضة، بعدما أصابها الجفاف نتيجة لعوامل طبيعية أو بسبب سوء إدارة الدولة الإيرانية للثروة المائية، فالنقص الحاد في معدل الأمطار وسوء استهلاك الحكومات المتتالية للمياه الجوفية، إضافة إلى سياسة تحويل مجاري الأنهر من الأطراف إلى المدن المركزية، هذه الوقائع أدت إلى أزمات معيشية واقتصادية وحركة هجرة كثيفة من الأطراف الفقيرة إلى المدن للبحث عن فرص للحياة.
لكن أزمة المياه توسّعت وأصابت مدناً تاريخية ومركزية مثل أصفهان عاصمة الدولة الصفوية، التي تعد واحدة من أبرز الحواضر في التاريخ الإيراني، حيث تشهد أصفهان منذ أسابيع حركة احتجاجات واسعة تُحمّل الحكومة الإيرانية أزمة شح المياه، بسبب تحويل مياه «نهر زاينده رود» من الري إلى الصناعات العسكرية والتجارية التي تشرف عليها الحكومة، وهذا ما أدى إلى نزول عشرات الآلاف إلى الشارع، مطالبين الحكومة بإعادة النهر إلى مدينته.
أزمة المياه المتفاقمة منذ ثلاثة عقود تقريباً وفشل الدولة في معالجتها، باتت أقرب إلى حرب مياه بين المدن الإيرانية، فحركة الاحتجاجات التي يمكن تسميتها «انتفاضة العطش» أخذت بالتوسع، وترفع شعارات معادية للحكومة والنظام وتحملهما مسؤولية فشل إدارة الأزمة، لكن الأخطر في هذه الأزمة أن المناطق التي حُرمت من مياهها الجوفية وأنهرها من الممكن أن توجه نقمتها إلى المناطق التي تم نقل المياه إليها، وهذا يحمل في طياته مخاطر على الأمن الاجتماعي والعلاقة بين سكان المناطق الإيرانية، خصوصاً تلك التي تكبدت خسائر اقتصادية وخسرت مواسمها الزراعية إما بسبب استثمار الدولة لمياهها الجوفية في مشاريع حكومية وإما بسبب نقل مياهها إلى مناطق أخرى. والجدير ذكره أن وزير الزراعة الإيراني الأسبق عيسى كالانتاري حذر عام 2015 من أن «ندرة المياه سترغم 50 مليون إيراني على مغادرة البلاد، وأن المناطق الريفية ستشهد (حرب مياه)».
فعلياً هناك أسباب مناخية، إضافة إلى طبيعة إيران الجغرافية، أسهمت في التراجع الحاد في مستوى المياه، لكن عملياً ووفقاً لتقارير رسمية إيرانية، فإن أزمة الشح الكبيرة في المياه سببها أيضاً سوء معالجة أدى إلى استهلاك أكثر من 90 في المائة من المياه الجوفية والسطحية، وذلك نتيجة سياسة مائية فاشلة لم تنجح في ترشيد الاستهلاك، حيث تعاني أكثر من 5000 قرية في إيران نقص المياه، ونحو 7000 قرية أخرى يتم إمدادها بالمياه بواسطة الصهاريج، كما قامت الدولة بهدر الثروة المائية على محاصيل زراعية تستهلك كميات مياه كبيرة، فقد استهلك القطاع الزراعي قرابة 92 في المائة من الثروة المائية، بينما تمثل الزراعة 10 في المائة فقط من الناتج المحلي، فإيران التي أعلنت سنة 2018 أنها أكملت خطتها في الاكتفاء الذاتي في زراعة القمح، وأنها قادرة على تصديره، فإن الأزمة الحالية ستؤدي حتماً إلى تراجع في معدلات إنتاج القمح، إضافة إلى تراجع في إنتاج وتصدير منتوجات زراعية أخرى أساسية.
تداعيات أزمة المياه على الأرجح لن تبقى مطلبية فالمظاهرات الاحتجاجية المتصاعدة منذ أشهر في الأهواز، وكرمنشاه، وسيستان - بلوشتان، وأصفهان، وأردبيل، ولورستان، ومناطق محيطة بالعاصمة طهران، من المرجح أن تأخذ طابعاً سياسياً ضد الحكومة والنظام، وتؤدي إلى انتفاضة العطش التي ستؤرق استقرار النظام وتضعه هذه المرة بمواجهة أبناء القرى والأرياف، الذين لم يعد لديهم شيء ليخسروه، إذ إن العطش هذه المرة سيوحد صفوف الجماعات الإيرانية في مواجهة السلطة العاجزة عن احتواء واحدة من أخطر الأزمات المعيشية والاقتصادية.
وعليه فإن صدى المياه سيحمل في الأيام المقبلة أصواتاً أشبه بالكوابيس على قيادة النظام التي فشلت في معالجة ظمأ الإيرانيين، وتدفعهم نحو مواجهة معيشية قد تكشفت عن النار تحت الرماد في أرض تجوفت بعد أن جفت مياهها وقد يجف معها صبرُ الإيرانيين.