بيروت لسه الأغاني ممكنة

بيروت... لسه الأغاني ممكنة!

بيروت... لسه الأغاني ممكنة!

 العرب اليوم -

بيروت لسه الأغاني ممكنة

بقلم - مصطفى فحص

يقول محمود درويش إن «البيوت تموت إذا غاب سكانها»، والمدن التي تجمع آلاف البيوت هي أيضاً معرَّضة للموت إذا رحل سكانها، وبيروت المنهكة من ظلم فاسد لم يشبع، ومن وعود ثائر لم ينضج، تشيخ أرصفتها بعد غياب روادها، فمنهم من حزم أمتعته استعداداً للرحيل، أو قرر الصمت استسلاماً للقدر. فالمدينة التي أودعوها أسرارهم، أسماء أطفالهم، انتماءاتهم، حبهم وغضبهم، خوفهم وفرحهم، وكتبوا فيها قصائدهم، وقرأوا صحفهم، وحلّوا خلافاتهم، ورتبوا أشياء ذاكرتهم، يُراودهم الخوف على ذاكرتها.
المدن بلا أرصفة مُدن بلا ذاكرة، والذاكرة في بيروت محبوكة بين حي وزقاق، شارع وشاطئ، مسرح واحتفال، اعتصام ومظاهرة، بين حرب سابقة تركت أوجاعها وأخرى مؤجلة، بين رصاصة اغتالت سياسياً أو أسكتت صحافياً، وفي حربها الأهلية عندما كانت منقسمة إلى شطرين! كانت أغاني فيروز تتنقل بحرية بين خطوط التماس، وليس في أخبار من زارها سائحاً أو هارباً أو لاجئاً، أو أقام فيها مؤقتاً أو دائماً، أن الأغنية فيها كانت ممنوعة!
لم يُسعف العمر يوسف شاهين حتى يتمكن من صناعة جزء جديد من فيلمه «المصير»، فظلاميو الأندلس الذين أخافتهم حنجرة محمد منير وحاولوا اقتلاعها، ينتمي إليهم من أرعبته حنجرة القاشوش السوري الذي غنى لحرية شعبه، ولا يختلف عنهم ظلاميون وفاسدون هزت عروشهم حناجر اللبنانيين في ساحات مدنهم، فاجتمعوا على ترهيبهم، ولم يجدوا وسيلة إلا بحذف مقطع من أغنية وبمنع أخرى.

في مهرجان «كرمالك يا وطن» الذي جرى في الأول من أغسطس (آب)، فوجئ اللبنانيون بعدم إكمال الكورس لأغنية ماجدة الرومي «سِّت الدنيا يا بيروت»، فقد استبدل القائمون على الحفل بمقطع «إن الثورة تولد من رحم الأحزان»، «لا لا لا لا»، كما تبين لاحقاً أن أغنية من مسرحية «صيف 840» للفنان غسان صليبا «لمعت أبواق الثورة» تم حذفها من برنامج الاحتفال، وحتى الآن لم يُبرر أصحاب العلاقة سبب قراراتهم، إلا أن الفنان صليبا لمح لصحيفة «النهار» البيروتية ببعض الضوابط من لجنة المهرجان.
محنة بيروت ونكبتها أنها وقعت أسيرة بيد ظلاميين وفاسدين، لم يقتنعوا بأن الحزن الذي على وجه اللبنانيين وقلقهم سيفجر ثورة غضبهم. باعتقادهم أنهم قادرون على اغتيال انتفاضتهم وترويض حزنهم وتفتيت قلقهم، وتخييرهم بين القبول بما هو موجود أو الرحيل، فسلاح اليأس الممنهج وسيلة المنظومة الحاكمة في وجه المعترضين، حتى يتراجعوا عن مطالبهم ويعودوا مستسلمين لسلطة الطوائف وأمراء الحرب.
لم تمر في تاريخ لبنان الحديث طبقة سياسية مارست هذا الحجم من التسويف والأنانية وإضاعة الفُرص، طبقة ارتكبت أوبقة سياسية واجتماعية واقتصادية دمرت أساسات الكيان، وتسببت في نكبة لم ولن يذكر التاريخ مثيلاً لها. فقبل أن يكتب نزار قباني قصيدته «سِّت الدنيا يا بيروت» بعد أن دمرتها الحرب الأهلية ووصف غِيرة الآخرين من جمالها، كان الشاعر اليوناني أغاتيوس قد تحسر في إحدى قصائده على مجدها الضائع فكتب عنها «ها أنا ذا المدينة التاعسة، كومة من الخرائب وأبنائي أموات، هل تبكون أيها العابرون الماشون فوق أطلالي، هل تأسون لمجد بيروت التي لا وجود لها، وداعاً يا ملاحي البحار، وداعاً أيتها القوافل الآتية من ورائها».
بين الإنكار والتحايل على الوقائع، لم تستوعب هذه السلطة أن أغلب اللبنانيين لا يملكون قوت يومهم وأنهم لن يصمتوا طويلاً على عتمة بيوتهم وشوارعهم، ولن يساوموا على مستقبل أبنائهم، ولا يمكن لأحد أو طرف مهما فاضت قوته أن يفرض عليهم طريقة عيشهم أو يقيد حريتهم، ومخطئ كثيراً من يعتقد أنه بمنع أغنية أو حذف أخرى قادر على حسم المواجهة.
بين «المصير» ليوسف شاهين ومصير لبنان، تتشكل أدوات المواجهة ما بين سلطة المنظومة الحاكمة وانتفاضة «17 تشرين»، ما بين حناجر غنّت للحرية وحنجرة رددت قبل قرون «لِسه الأغاني ممكنة».  
arabstoday

GMT 11:02 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

اعترافات ومراجعات (51) الهند متحف الزمان والمكان

GMT 10:54 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

حسابات المكسب

GMT 10:51 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

منير وشاكوش وحاجز الخصوصية!

GMT 10:47 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

الضربة الإيرانية

GMT 04:18 2024 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

سفير القرآن!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بيروت لسه الأغاني ممكنة بيروت لسه الأغاني ممكنة



بلقيس بإطلالة جديدة جذّابة تجمع بين البساطة والفخامة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 06:49 2024 الخميس ,18 إبريل / نيسان

نصائح لاختيار العطر المثالي لمنزلكِ
 العرب اليوم - نصائح لاختيار العطر المثالي لمنزلكِ

GMT 16:00 2024 الخميس ,18 إبريل / نيسان

دينا فؤاد تعلن شرطها للعودة إلى السينما
 العرب اليوم - دينا فؤاد تعلن شرطها للعودة إلى السينما

GMT 14:16 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

"فولكس واغن" أبوظبي تُمدّد عروضها الرمضانية
 العرب اليوم - "فولكس واغن" أبوظبي تُمدّد عروضها الرمضانية

GMT 15:31 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

شهداء وجرحى في قصف جوي إسرائيلي على قطاع غزة

GMT 19:21 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

زلزال بقوة 6.4 درجة يضرب جنوب غرب اليابان

GMT 19:19 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

مصرع وإصابة 102 شخص في أفغانستان جراء الفيضانات
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab