بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
تمر بالمرء لحظاتُ يظن فيها أن أملا لديه خاب أو يخيب. وربما يشعر بشىء من ذلك الآن بعض المؤمنين بأن المقاومة بجميع أشكالها هى طريق التحرر من الهيمنة الغربية والإجرام الصهيونى. فى مثل هذه اللحظات نحتاج للعودة إلى التاريخ لنعرف ونستلهم الدروس. ولنأخذ المقاومة فى لبنان مثالا. فهى ليست وليدة الأمس القريب. وما القوى التى تقاوم اليوم إلا امتدادُ فى شكل ومضمونٍ مختلفين لسابقتها التى تعود بدايتها إلى منتصف الستينيات. كانت المقاومة فى بدايتها فلسطينية مدعومة من قوى وطنية وتقدمية لبنانية. وحين نقارن حالها بما بلغته المقاومة الآن، وقد صارت لبنانية، نجد أن الفرق يدفع إلى التفاؤل. يواجه الجيش الصهيونى مقاومةً ضارية فى محاولاته اجتياح جنوب لبنان منذ مطلع أكتوبر. وهذه المرة الأولى التى يحدث فيها هذا. لم يحتج الغزاة سوى بضع ساعات لاحتلال معظم المناطق الحدودية التى انسحب منها الفدائيون الفلسطينيون فى فبراير 1972 تنفيذاً لاتفاق مع السلطات اللبنانية. ولكنهم أخلوها بسرعة مع دخول الجيش اللبنانى إليها. ورغم أن المقاومة صارت أقوى فى السنوات التالية، تمكن الجيش الصهيونى عام 1978 من اجتياح الجنوب وصولا إلى نهر الليطانى فى سبعة أيام, ثم أعاد انتشاره بعد ذلك، وأقام حزاماً أمنياً سلمه إلى قوة لبنانية عميلة له. وبعد أربعة أعوام قام باجتياح أوسع وتمكن من التقدم نحو الطريق الرئيسى بين بيروت ودمشق مخترقاً منطقة الشوف خلال ثلاثة أيام، ووصل إلى بيروت بعد ثمانية أيام واحتل قسمها الشرقى وحاصر الغربى. وحتى فى حرب 2006 استطاع اجتياز الحدود والتقدم فى الجنوب خلال ستة أيام، بعد قصف جوى عنيف وحصار بحرى، ولكن المقاومة استدرجته إلى معارك كانت قد أعدت لها، وكبدَّته خسائر أكبر من كل المرات السابقة، واضطر إلى الانسحاب فى النهاية. أما هذه المرة فمازالت المقاومة تتصدى منذ ما يقرب من شهر لمحاولات الغزاة السيطرة على مواقع حدودية واحتلال الجنوب أو جزء منه. المقاومة فى لبنان، إذن. تقوى ولا تضعف رغم الأخطاء التى ارتكبتها فى العام الأخير وتكبدت بسببها خسائر هائلة.