بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
كانت ندوة أديبنا العظيم الراحل نجيب محفوظ ملتقى لمثقفين وأدباء. كان بعضهم يحضرونها بانتظام، بينما تردد عليها آخرون بشكل عابر. وفى احدى تلك الندوات أُثير موضوع تنامى حضور جماعة «الإخوان المسلمين» فى الساحة السياسية. كان ذلك عقب انتخابات 2005 التى حصلت فيها على 88 مقعداً0 ولم ينتبه حد تقريباً إلى تعليق الأستاذ محفوظ يومها رغم أنه نُشر فى كثير من وسائل الإعلام. فقد بدا يومها كأنه يقرأ المستقبل القريب عندما سأل عما إذا كان المصريون يريدون أن يُجرَّبوا حكم «الإخوان المسلمين». لم يمهل القدر الراحل العظيم ليشهد تلك التجربة المؤلمة التى أتاحت للقوى المضادة لثورة 25 يناير الانقضاض عليها، ووقف التطور الذى فتحته هذه الثورة باتجاه الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. كان الأستاذ يعرف أن انخفاض مستوى الوعى العام فى مصر بعد أكثر من نصف قرن من الحكم التسلطى والتجريف السياسى – الاجتماعى يدفع قطاعاً واسعاً من الناس للبحث عن «مُنقذ». فإذا أحبطهم بحثوا عن غيره، إلى أن يرتفع مستوى وعيهم ويدركوا أن المشاركة الحرة فى إدارة الشأن العام هى الطريق إلى إنقاذ أى بلد. وقد تذكرتُ نبوءة محفوظ، الذى يُعد أكثر حكماء القرن العشرين فى مصر حكمة، عندما فاز صادق خان المسلم ذو الأصل الباكستانى بمنصب عمدة لندن فى انتخابات أُجريت فى أجواء تشهد صعود اليمين المتطرف فى أوروبا. فقد دعم الإرهاب قدرة أحزاب يمينية متطرفة على شن حملات كراهية واسعة ضد المسلمين. وحققت بعض هذه الأحزاب تقدماً كبيراً فى بلاد أوروبية مهمة.
وأثار ذلك سؤالاً قريبا مما طرحه محفوظ, وهو هل يريد الأوروبيون أن يُجرَّبوا حكم اليمين المتطرف. وربما تحمل نتائج انتخابات عمدة لندن جواباً أولياً على هذا السؤال. فقد انتصر فيها المرشح الذى يسعى هذا اليمين إلى إقصاء أمثاله. ولكن المنتصر الحقيقى هو قيم الحرية والتعدد والتنوع وغيرها مما جعل الغرب يسود العالم بديمقراطيته وليس بقدراته العسكرية.صحيح أن خطر اليمين المتطرف فى أوروبا ليس هيناً. ولكن مستوى الوعى العام فيها ليس ضعيفاً إلى الحد الذى يتيح استغفال الأغلبية عبر شعارات من النوع الذى ينطلى على شعوب أخرى لا تثق فى قدراتها وتبحث عمن ينقذها. وليس هذا إلا أحد الفروق بين عالمهم، وعالمنا الذى لا يعرف من العصر الحديث إلا قشوره. وهذا فرق لو تعلمون عظيم.