بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
«أمانة عليك أمانة يا مسافر بورسعيد/ أمانة عليك أمانة تبوس لى كل إيد/ حاربت فى بورسعيد/ الأرض الغالية بوسها/ على الدنيا بتحكى عنها/ جه الغريب يدوسها/ قام الكل يصونها/ بقت أرض البطولة والعزة والرجولة .. سلم على كل شارع دافع عنه شبابه/ وهات لى وانت راجع شوية من ترابه/ تراب أرض الحدود/ وفيه دم الشهيد...). هكذا غنت الفنانة الكبيرة الراحلة شادية لكفاح المصريين فى بورسعيد خلال العدوان الثلاثى فى أكتوبر/ نوفمبر 1956. أغنية بالغة الدلالة على قيمة الأرض الغالية والعزة والكرامة، والمقاومة مهما كان الفرق فى ميزان القوى. وفى ختامها «حتلاقى الأرض حرة وإن راح فيها الغريب/ حتبقى الأرض جمرة بالدم واللهيب» تأكيد لمعنى الإصرار على مواصلة الكفاح إذا تكرر العدوان. كنا نغنيها فى المدرسة مع أغانٍ وطنية أخرى مثل أغنية الفنانة الراحلة فايدة كامل: «دع سمائى فسمائى مُحرقة/ دع قنالى فمياهى مُغرقة/ واحذر الأرض فأرضى صاعقة/ ...هذه أرضى أنا .. وأبى ضحى هنا/ وأبى قال لنا مزقوا أعداءنا/ أنا شعب وفدائى وثورة/ ودم يصنع للإنسان فجره/ترتوى أرضى به من كل قطرة/وستبقى مصر حرة .. مصر حرة» وهى بدورها تعبير عن معانى المقاومة والتضحية والكرامة الوطنية والتصميم على التحرر والاستقلال. كان كفاح المصريين ضد هذا العدوان نقطة تحول فى تاريخ المنطقة، والعالم أيضاً. خرجت مصر من حرب 1956 مرفوعة الرأس شامخة، وتحولت إلى قوة إقليمية كبرى إن لم تكن الأكبر. وخرجت بريطانيا وفرنسا فى المقابل مكسورتين بعد أن أرغمتا مع الكيان الإسرائيلى، على الانسحاب. وفقدتا صدارة النظام الدولى الذى تربعتا على قمته لعقود، وصعد الاتحاد السوفيتى والولايات المتحدة إلى هذه القمة فى نظام دولى جديد كان ثنائى القطبية. قدم مصريون أرواحهم ودماءهم فى مواجهة العدوان، وقاتلوا قتال الشجعان، وضحوا بأرواحهم وبذلوا من دمائهم، فداءً لوطنهم. كانت المنظومة الدولية الناشئة حينذاك فى وضع أفضل مما آلت إليه الآن، وكان الاتحاد السوفيتى يسعى لتأكيد تصوره القوى فى العالم، الأمر الذى ساعد المصريين فى كفاحهم ضد الغزاة فرفضوا واكتمل انسحابهم فى مثل هذا اليوم قبل 68 عاماً فصار عيداً لمصر، وليس لبورسعيد الباسلة فقط.