بقلم:د. وحيد عبدالمجيد
يحاول بعض الفلسطينيين فى غزة استئناف ما يتيسر من أنشطة برغم الدمار الشامل. نجد سيدات يجمعن أطفالا فى خيمة أو بقايا منزل لتعليمهم بعد تدمير المدارس، ورجالا يجتهدون لتحويل بقايا مساجد قُصفت إلى أماكن للصلاة. ويلفت الانتباه فى هذا السياق مشهد رجل فلسطينى يعزف على آلة الناى وحوله عدد من المستمعين. العزف مدهش كأن عازفه موسيقىُ محترف. عزف حزين يُذكَّر بمقطع فى أغنية عبدالحليم حافظ «موعود» نسمع فيه «السما بتبكى علينا .. والناى الحزين». وكيف لا، وكل ما يحيط بالعازف ومستمعيه وشعبه، كما معظم ما يحدث فى العالم، يدعو للحزن. العازف ماهر، والآلة تنطق بين يديه. تشعر أنك تسمع غناء وليس موسيقى فقط. أحبُ هذا العزف المنفرد «الصولو»، خاصة على آلات النفخ المختلفة إلى جانب العود بطبيعة الحال. ذكَّرنى الفلسطينى العازف بالفنان الرائع سيد سالم الذى أبدع فى العزف على الناى، ودخل تاريخ الموسيقى فى إحدى حفلات الفنانة الكبيرة أم كلثوم. فخلال أدائها أغنية «بعيد عنك حياتى عذاب» تمادى فى فقرة «الصولو» وأطال وبدا أنه اندمج مع «الناي» الذى كان يرقص بين يديه إلى حد أنه خرج عن النص، وصفق له الجمهور طويلا، فبدا على ملامح الفنانة الراحلة مزيجًا من الدهشة والإعجاب، وربما الغيرة أيضًا بسبب شدة التصفيق لعازف واحد فى فرقتها. ولأن الشىء بالشىء يُذكر، يقفز إلى الذهن أيضًا ساكسفون الفنان المُبدع سمير سرور، الذى خطف القلوب فى كثير من الأغانى التى عزف خلالها «صولو». أذكر وصلته البديعة فى أغنية «جانا الهوى» وتفاعل الفنان الجميل عبدالحليم حافظ إيجابيًا معها، وانبهار الجمهور بها. كان سرور مبدعًا بحق. لم يقتصر إبداعه على العزف بل أدخل تعديلا فى آلة الساكسفون ليتمكن من عزف نغمة «الربع تون» الأصيلة فى الموسيقى الشرقية، وجعلها مصدر بهجة فى كثير من الألحان، وخاصة التى أبدعها ملك التلحين الراحل بليغ حمدى. ولعل الفلسطينى العازف كان قد سمع واستوعب شيئًا من إبداعات سالم وسرور وغيرهما ممن أجادوا «الصولو»، فصار «الناى» الذى يستخدمه قادرًا على التعبير عن آلام أهلنا فى غزة.