بقلم:د. وحيد عبدالمجيد
لا وقت لالتقاط الأنفاس. أزمات لبنان اليوم تحاصر الرئيس الجديد جوزيف عون وتفوق بكثير مما كان على أى رئيس سابق أن يواجهه، ليس بسبب فراغٍ رئاسى استمر 26 شهرًا، ولكن نتيجة تراكم مشاكل سياسية واقتصادية واجتماعية وديموجرافية على مر عقود. تعايش المجتمع اللبنانى مع هذه المشاكل بصعوبة، وربما تعود الناس على بعضها. ولكن الإجرام الصهيونى فى الحرب الأخيرة خلق أجواء مختلفةً ووضع الجميع أمام الحقيقة. حقيقة النخب السياسية، وحقيقة الانقسام الحاد، وحقيقة الانهيار الاقتصادى - المالى، علاوة على الأطماع الصهيونية التى تكشف انتهاكات إعلان وقف إطلاق النار بعضها.
والأزمة الأولى التى بدأ عون فى التعامل معها تتعلق بطبيعة النخب السياسية. فتشكيل حكومة جديدة يمثل أولوية لا يسبقها هم آخر. ولإنجاز هذا التشكيل عليه أن يتشاور مع الكتل النيابية التى تمثل نخب لبنان السياسية كلها. ولعل هذه الاستشارات هى أكثر ما يكشف حقيقة أن القاسم المشترك بين هذه النخب هو تغليب مصالحها على ما عداها، والعداء المتفاوت بين معظمها فى ظل انقسام يتجاوز السطح السياسى إلى أعمق أعماق المجتمع.
كان التنوع الاجتماعى فى لبنان نعمة جعلته «سويسرا الشرق»، قبل أن يصبح نقمة. وتبلغ الهموم الناتجة من هذه النقمة مبلغًا غير مسبوق فى ظل سعى بعض الأطراف إلى تصفية حسابات قديمة فى مرحلة بالغة الدقة. هناك من يحاول استثمار ما ترتب على الحرب الأخيرة لتحقيق ما لم يستطع من قبل على نحو قد يقود إلى صدام خطير فى لحظة تتطلب تعاونًا. وليس واضحًا بعد كيف سيتعامل الرئيس عون مع هذا الميل الجامح إلى تصفية الحسابات، وآثاره التى قد تكون وخيمة. وسيكون عليه أن يسير فوق ألغام قابلة للانفجار عندما تُفتح مسألة الإستراتيجية الدفاعية، وبالتالى سلاح المقاومة اللبنانية. وكل هذا فى ظل أوضاع اقتصادية ومالية لم تصل إلى هذا المستوى من التدهور فى أى وقت سابق حتى خلال الحرب الأهلية وبعدها.
ولا يملك أى محب للبنان إلا أن يدعو للرئيس الجديد ويأمل فى أن يكون لديه من الحكمة ما يعينه على هذه الهموم.