بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
قليلُ فى زمننا هذا السياسيون الذين أنعم الله عليهم بالحكمة وحسن التقدير والتصرف. هؤلاء هم من ينير حضورهم ليالى تشتد فيها الظُلمة, فيتحركون حاملين مصابيح تنير الطريق. ليالى اللبنانيين هذه الأيام هى من هذا النوع الذى تزداد فيه الحاجة إلى سياسيين ذوى حكمة يسعون إلى وضع حد لظُلمتها.
وإذ يقل عدد أمثال هؤلاء فى لبنان اليوم حيث يُخيم شبح فتنة سياسية وطائفية جديدة، لابد أن نذكر الراحل الكبير ميشيل إدة الذى مرت قبل أيام الذكرى الخامسة لرحيله. فقد جمع إدة فى تكوينه ثراء المعرفة التى راكمها منذ تخرجه فى كلية الحقوق بجامعة القديس يوسف عام 1945 وحكمة السياسة التى مكَّنته من التموضع خارج الاستقطاب السياسى والصراع على السلطة، دون أن يعنى ذلك أنه كان بلا لون أو طعم أو رائحة. فقد انحاز إلى المقاومة ودعمها، ولكن من موقع السياسى المستقل الحريص على تجنب الانخراط فى أى عمل استقطابى، والساعى إلى وضع حد للانقسام وما يترتب عليه من صراعات.
لم يسع إلى مناصب يتكالب عليها عادةً السياسيون، بل رفض أكثر من مرة الترشح لرئاسة الجمهورية لتجنب الانزلاق إلى حالة الاستقطاب التى كانت غالبةً فى فترة تأجج الصراع بين تحالفى 8 آذار و14 آذار عقب اغتيال رفيق الحريرى عام 2005، وحتى تفكك كل من التحالفين، وظهور أشكال متعددة من الاستقطاب الجزئى. فضل إدة دائمًا أن يكون جسرًا للتواصل والحوار، وأن يبنى معابر بأمل أن يعبر عليها المتصارعون ليلتقوا فى منتصف الطريق، فى الوقت الذى كان سياسيون آخرون ينسفون مثل هذه الجسور والمعابر.
ولم يقبل مناصب وزارية إلا عندما تصور أنه قد يجد عن طريقها فرصًا لتجنب الاستقطاب. ولهذا التحق بثلاث حكومات شُكلت بين 1995 و1998، وذلك للمرة الأولى منذ عام 1980 عندما اعتقد فى العامين الآخيرين من فترة رئاسة إلياس سركيس أنه قد يجد فرصةً لوضع حد للحرب الأهلية التى كانت فى عامها السادس.
يفتقد اللبنانيون فى لياليهم المظلمة هذه الأيام ميشال إدة. حقًا فى الليلة الظلماء يُفتقد البدر.