بقلم : صلاح منتصر
فى مصر من العجائب مالا قد تجده فى دول أخرى . ففى مصر يمكن لصاحب الفلوس أن يقتحم أى مبنى ويفعل ما بدا له فى شقة أو جراج أو حتى رصيف يقيم عليه مقهى أو مطعم أو كافيه بينما القانون يمنعه .
وبينما فى كل العالم الاهتمام بغير المدخن وحمايته وتخصيص مكان منزو للمدخنين كما نرى فى المطارات ، فإن المدخن فى مقاهينا ومطاعمنا وكافيهاتنا هو صاحب الكلمة العليا الذى يجرى خدمته فيخصص له أفضل مكان ، بينما غير المدخنين يلقى بهم فى أسوأ مكان فى المقهى لأنهم زبائن فقر لا يدخنون الشيشة ويدفعون المبالغ الكبيرة التى جعلت الشيشة أهم طلبات تلك المقاهى ، فى الوقت الذى بحت فيه أصوات أطباء الصدر والقلب وأورام السرطان والضغط والسكر ، من المصائب التى حلت علينا بسبب هذه الشيشة والأخطار التى يدفع شبابنا ثمنها وتظهر نتائجها عليهم فى أهم فترة من سنين عمرهم .
وفى مصر لم يقتصر التجريف على الأرض الزراعية التى زرعوها بالطوب والاسمنت ، بل امتد التجريف إلى مئات المبانى والأرصفة فى كل الأحياء والشوارع بحيث اختفى تخطيط الأجداد الذى خصص مناطق للسكن وأخرى لغيرها، بل أصبحت غيرها سواء فى شكل محال أو مطاعم أو مقاه أو ..أو .. هى الأساس ولتذهب راحة السكان إلى الجحيم ، رغم أنه عمليا 90 فى المئة من المطاعم والمقاهى تعمل بدون ترخيص !
فى شارع حشمت بالزمالك نموذج حديث لذلك . فى عمارة عشرة طوابق اقتحم أحدهم أسفل العمارة وافتتح مطعما شغل كل الرصيف الذى تحيط به خمس مدارس . ولزوم الاستغلال كان ضروريا أن يمد صاحب المطعم مدخنة ضخمة بطول العمارة بصرف النظر عن تأثير المسار الذى تمر منه داخل المنور على غرف نوم وراحة السكان ، فمثل هذا لا يهم ، وإنما المهم ما سيحققه المطعم من مكاسب . أما الجهات المسئولة ورغم كثرتها ،فيبدو أنها أصبحت تعمل على طريقة عسكرى الدرك الذى كان فى زمان انتهى وتغير ، يتصور أن صيحة «مين هناك» يطلقها تخيف الكل بينما هى اليوم تؤنسهم وتشجعهم !