بحثاً عن مغزى قمة هلسنكى

بحثاً عن مغزى قمة هلسنكى

بحثاً عن مغزى قمة هلسنكى

 العرب اليوم -

بحثاً عن مغزى قمة هلسنكى

بقلم : مكرم محمد أحمد

تُشير ردود الأفعال الأمريكية على ما حدث فى قمة العاصمة الفنلندية هلسنكى، سواء من الجمهوريين أو الديمقراطيين أو الرأى العام الأمريكى على اتساعه وتنوعه، إلى أن الرئيس الأمريكى ترامب قد دخل حقل ألغام شائك، وسوف يواجه فى الفترة القادمة من حكمه المزيد من المصاعب والانتقادات الحادة، لما يراه كثير من الأمريكيين سوء أداء بالغ من جانب الرئيس ترامب لازمه طول رحلته الأخيرة، التى شهدت اجتماعاً عاصفاً لقادة حلف الناتو فى بروكسل، كال فيه ترامب الاتهامات لحلفائه الأوروبيين لأنهم لا ينهضون بواجباتهم فى دعم موازنة الحلف أو دعم موازناتهم الدفاعية تاركين العبء بأكمله على الولايات المتحدة، مقللاً من أهمية حلف الأطلنطى، متهماً المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بأنها أصبحت أسيرة موسكو لاعتمادها المتزايد على الغاز الروسى، كما شهدت زيارة رسمية لبريطانيا، انتقد خلالها ترامب رئيسة وزراء بريطانيا قبل أن يغادر إلى هلسنكى من أجل اجتماع قمة مع الرئيس الروسى بوتين، شمل لقاء منفرداً بين الرئيسين استمر ساعتين لم يحضره سوى المترجمين، أعقبه مؤتمر صحفى مشترك يرى معظم الأمريكيين أنه كان بمثابة كارثة أظهرت ضعف الرئيس ترامب، واستهانته العلنية البالغة بأجهزة أمنه ومعلوماته، وغلواء هجومه على حلفائه فى حلف الناتو، فى الوقت الذى كال فيه المديح للرئيس الروسى بوتين، ووصفه بالقائد الفذ شديد المراس، «أقوى من رئيسنا السابق أوباما»، ويبرئ ساحته من التدخل فى انتخابات الرئاسة الأمريكية عام 2016 رغم تقارير أجهزة أمنه ومعلوماته التى تؤكد التدخل الروسى!

وقد تسبب أداء الرئيس الأمريكى وأقواله فى المؤتمر الصحفى المشترك فى عاصفة من الانتقادات الحادة ضده، هبت أولا من الحزب الجمهورى، وشارك فيها العديد من قياداته إلى حد أن الجمهورى العتيد جون ماكين رئيس لجنة الأمن القومى فى مجلس الشيوخ لسنوات طويلة والذى يعانى من سرطان فى المخ، وصف أداء ترامب بأنه كارثى، وأسوأ أداء لرئيس أمريكى على طول التاريخ يكاد يقرب من أن يكون خيانة فى حق بلاده، كما وصف جون برنان رئيس المخابرات الأمريكية السابق أداء ترامب بأنه يمثل جريمة فى حق الولايات المتحدة، وأن من الواضح جداً أن الرئيس الروسى بوتين وضع الرئيس الأمريكى فى جيبه الصغير، وكذلك السيناتور الجمهورى لندسى جراهام الذى طالب الأمريكيين بأن يكونوا أكثر حذراً بسبب سوء تصرف الرئيس ترامب، وبالطبع كانت انتقادات الديمقراطيين أشد حدة، لأن الرئيس الأمريكى رفض الرؤية الجماعية لجميع أجهزة الأمن والمعلومات الأمريكية التى طالبت الرئيس ترامب بأن يكون أكثر صلابة فى مواجهة الرئيس الروسى، كما رفض ترامب عريضة الاتهام التى وجهتها مصلحة العدالة الأمريكية، وصاغها المستشار القانونى الخاص روبرت مولر الذى طالب بإحالة 12 ضابط مخابرات روسيا ضمن أعضاء السفارة الروسية للمحاكمة، لأنهم تجسسوا على البريد الإلكترونى للحزب الديمقراطى، وبدلاً من أن يحقق ويدقق الرئيس ترامب فى حقيقة هذه الاتهامات، اعتبر عريضة الاتهام التى صدرت عن مصلحة العدالة الأمريكية إهانة بالغة للولايات المتحدة ورفض مفاتحة الرئيس الروسى فى الأمر!

وعندما سأل أحد الصحفيين الأمريكيين ترامب فى المؤتمر الصحفى المشترك مع بوتين، أيهما تصدق الرئيس بوتين أم تقارير أجهزة الأمن والمعلومات الأمريكية، رد الرئيس ترامب بأنه يود أن يصدق أجهزة أمنه ومعلوماته، لكن الرئيس الروسى بوتين كان قوياً ومنطقياً فى إنكاره لأى تدخل روسى فى انتخابات الرئاسة الأمريكية عام 2016، ومع أن الرئيس الأمريكى نحا باللائمة على الدولتين روسيا وأمريكا لتدهور العلاقات الثنائية إلى هذا الحد، لكنه كان أكثر شططا فى إتهام بلاده بالحماقة والغباء، بينما أنكر الرئيس الروسى أى تدخل روسى فى الشأن الأمريكى، مؤكداً أن روسيا لم تتدخل ولن تتدخل، ودعا إلى تشكيل لجنة تحقيق مشتركة يمكن أن تزور موسكو لتقصى الحقائق فى هذا الخلاف، والأشد غرابة أن الرئيس الأمريكى ترامب سارع بعد ساعتين من مباحثاته مع بوتين إلى إعلان أن العلاقات الأمريكية الروسية التى لم تبلغ أبداً مثل هذه الدرجة من السوء قد تعافت من الوضع الذى كانت عليه قبل لقاء هلسنكى!.

والأمر المؤكد أن الرئيس الأمريكى ترامب كان يستشعر سلفاً حجم الانتقادات التى يمكن أن توجه له من جانب معارضين أمريكيين يتهمونه بالتواطؤ مع الرئيس الروسى بوتين الذى ساعده فى انتخابات الرئاسة الأمريكية عام 2016 ضد المرشحة الديمقراطية هيلارى كلينتون على حساب المصالح الأمريكية، إلى حد أن ترامب كتب فى إحدى تغريداته قبل إنعقاد قمة هلسنكى، أنه يود بفارغ الصبر أن يلتقى الرئيس الروسى بوتين، وهو يعرف سلفاً أنه لن يستطيع إرضاء الأمريكيين مهما يكن نجاحه فى قمة هلسنكى، وأنه إذا ما عاد إلى واشنطن وقد حصل من الرئيس بوتين على مدينة موسكو العظيمة تعويضاً عن الأضرار التى لحقت بالولايات المتحدة بسبب الروس، فسوف يسأله الأمريكيون لماذا لا يحمل فى جيبه الثانى مدينة بطرسبرج إضافة إلى موسكو؟!.

وسواء كان ما قدمه الرئيس الأمريكى ترامب من تنازلات إلى الرئيس الروسى بوتين شملت القضية الأوكرانية، وقضية إنهاء الحرب الأهلية السورية، والاعتراف بمكانة روسيا الجديدة فى الشرق الأوسط، وأنها أصبحت عنصراً فاعلاً فى هذه المنطقة الحساسة من العالم، تم رضوخاً لقوة الرئيس بوتين الذى ساعده فى انتخابات الرئاسة الأمريكية عام 2016 وأضعف الرئيس الأمريكى بسبب هذه العلاقة الخاصة مع الرئيس الأمريكى، أم أن التنازلات الأمريكية تمت بفعل اقتناع الرئيس الأمريكى بأن تحسين العلاقات مع روسيا ربما يكون أفضل ما يستطيع تقديمه إلى الولايات المتحدة والعالم أجمع، فإن النتيجة فى كل الأحوال تقول إن الرئيس ترامب يواجه عاصفة غير مسبوقة من الانتخابات الحادة يمكن أن تؤثر على مستقبل حكمه فى الولايات المتحدة.

والواضح أن الرئيس ترامب واجه ضغوطاً قوية من داخل ادارته ومن أجهزة أمنه ومعلوماته كانت تدفعه إلى استمرار المواجهة مع الروس، كان آخرها مطالبة مصلحة العدالة الأمريكية بمحاكمة 12 ضابط مخابرات روسى قبل أيام معدودة من قمة هلسنكى، لكن ترامب ألقى بكل الاتهامات والمعلومات عرض الحائط، وأصر على إصلاح العلاقات الأمريكية الروسية، كما رفض التركيز على قضايا العدوان الروسى على أوكرانيا وضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا، وأدار ظهره لتقارير أجهزة أمنه ومعلوماته، منادياً بعودة روسيا إلى قمة العشرين، وربما يصعب الآن حساب أثر أداء الرئيس الروسى على مستقبل حكمه فى الولايات المتحدة، لكن الأمر المؤكد أن التاريخ سوف يقف طويلاً أمام ما حدث فى هلسنكى يوم 16 يوليو عام 2018 ليقول لنا، هل تصرف الرئيس الأمريكى على هذا النحو لأنه كان ضعيفاً فى مواجهة الرئيس الروسى بوتين لأسباب يطول شرحها ولم يكن فى قوة الرئيس دونالد ريجان عندما وصف الاتحاد السوفيتى بأنه إمبراطورية الشر، أم أن العالم قد تغير على نحو جذرى، كما قال الرئيس بوتين فى ملاحظاته الافتتاحية على قمة هلسنكى، وأصبحت الحرب الباردة شيئاً من الماضى، ولم تعد للخلافات العقائدية التى قسمت العالم إلى معسكرين متضادين أسبابا حقيقية، وأن أمريكا وروسيا تواجهان الآن قائمة طويلة وجديدة من التحديات المشتركة، تتطلب التركيز على ضرورات الأمن والاستقرار، والمواجهة الشاملة لمخاطر الإرهاب، ومشكلات الإقتصاد العالمى التى يتفاقم أثرها على الجميع، ومخاطر الفقر وغياب العدالة اللذين ينهشان نصف البشرية، ويولدان هذا الحجم الخطير من المشاكل والتحديات.
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
المصدر: الأهرام

arabstoday

GMT 22:14 2020 الخميس ,06 آب / أغسطس

أخبار عن اللاساميّة وماليزيا وآيا صوفيا

GMT 00:18 2020 الأربعاء ,05 آب / أغسطس

رسالة إسرائيلية.. أم إنفجار؟

GMT 03:49 2019 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

الموجة الجديدة من الحراك العربي

GMT 03:43 2019 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان بين صيغتين

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بحثاً عن مغزى قمة هلسنكى بحثاً عن مغزى قمة هلسنكى



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 19:56 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع
 العرب اليوم - البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع

GMT 03:09 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

عدوان جوي إسرائيلي يستهدف الحدود السورية اللبنانية
 العرب اليوم - عدوان جوي إسرائيلي يستهدف الحدود السورية اللبنانية

GMT 02:40 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

القهوة والشاي الأسود تمنع امتصاص الحديد في الجسم
 العرب اليوم - القهوة والشاي الأسود تمنع امتصاص الحديد في الجسم

GMT 19:23 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ميادة الحناوي تحيي حفلتين في مملكة البحرين لأول مرة
 العرب اليوم - ميادة الحناوي تحيي حفلتين في مملكة البحرين لأول مرة

GMT 07:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 10:18 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الوجدان... ليست له قطع غيار

GMT 09:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

كفاءة الحكومة

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 22:55 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل تتجه نحو اتفاق لوقف إطلاق النار في لبنان

GMT 21:25 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

هوكشتاين يُهدّد بالانسحاب من الوساطة بين إسرائيل ولبنان

GMT 10:02 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

اثنان فيتو ضد العرب!

GMT 11:05 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد صلاح يعبر عن استيائه من إدارة ليفربول ويقترب من الرحيل

GMT 08:16 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

"حزب الله" يعلن استهداف قوات إسرائيلية في الخيام والمطلة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab