عمرو الشوبكي
تجربة الإخوان فى السلطة هى فشل مجتمعى وسياسى لأول اختبار ديمقراطى فى مصر منذ 60 عاما، لأن مرسى وصل للسلطة بوسيلة ديمقراطية، ولم يستطع الشعب تغييره بنفس الوسيلة، لأن الجماعة رتبت أمورها للبقاء الأبدى فى السلطة، حتى لو كان الثمن تدمير مصر والدخول فى اقتتال أهلى، وهو ما استدعى تدخلا عسكريا فى 3 يوليو لعزل الرئيس السابق محمد مرسى.
إذن سواء اعتبر أغلبنا أنه لم يكن هناك بديل عن تدخل الجيش لإسقاط حكم الإخوان، أو اعتبر بعضنا أنه كان يجب ألا يتدخل الجيش ويستمر فى الضغط الشعبى حتى يقبل مرسى بانتخابات رئاسية مبكرة، إلا أن النتيجة فى النهاية هى عجزنا عن فرض آليات ديمقراطية لحسم الصراع السياسى، وذلك باختيار جماعة ولو بأغلبية طفيفة لا تؤمن بالعملية الديمقراطية، ثم إسقاطها بوسيلة غير ديمقراطية، بما يعنى أن المجتمع تراجع خطوة كبيرة فى مساره نحو بناء نظام ديمقراطى، وهو ربما ما يفسر لنا تراجع الطلب على الديمقراطية وقبول انتهاكات كثيرة بحق أفراد وسياسيين لم يمارسوا أو يحرضوا على العنف فى سبيل ما يراه الكثيرون ضرورة الحفاظ على الدولة.
إن تجارب النجاح تقول لنا إن أى قوى أو جماعة أو تيار أو حزب يصل للسلطة وهو قادم من خارج المنظومة السياسية السائدة، لابد أن يتبنى خطاباً مطمئناً وإصلاحياً لا يبدو فيه أنه سيسيطر أو سيحتكر الحياة السياسية، وأنه سيفصل الدستور والقوانين على مقاسه، ويصفى حساباته مع الدولة لا أن يصلحها.
وقد فعلت الجماعة ورئيسها كل ذلك، ودخلوا فى معارك مع القضاء والشرطة والجيش واتهموا المعارضين بالفلول وتحولوا من جماعة محافظة إلى جماعة ثورية، بعد أن وصلوا للسلطة فى مشهد غير مسبوق فى تاريخ أى ثورة فى العالم، فالثوريون يكونون كذلك قبل الوصول للسلطة وليس بعدها، والمفارقة أن الإخوان أصبحوا ثوارا بعد وصولهم للسلطة، وهو أخطر وأسوأ أنواع السلطة، لأنه يصبح مجرد مبرر لتكريس الاستبداد واعتبار المعارضين من الثورة المضادة تماما كما فعل مرسى.
لقد شعر قطاع واسع من المصريين بغربة حقيقية فى عام الإخوان، وشعر آلاف من ضباط وأفراد الشرطة بأن الرئيس وجماعته متواطئون مع من يقتلونهم، وشعر القضاة بأن الإخوان يردون جميلهم طوال فترة مبارك بالانتقام منهم وتصفية الحسابات مع قادتهم، والجيش لولا انضباطه ومهنيته والحسابات الدولية والإقليمية التى تحكم تحركاته لكان انقلب على حكم الجماعة دون أى حاجة لانتفاضة شعبية تطالبه بالتدخل.
اختبار 30 يونيو نجح فيه الشعب المصرى فى إسقاط حكم الإخوان، ولكن بثمن باهظ، لأننا لم نضع القواعد الدستورية والقانونية التى تنظم العملية السياسية قبل وصول أى فصيل للسلطة، فما بالك لو كان هذا الفصيل هو جماعة الإخوان القادمة من خارج الشرعية القانونية والسياسية، وترتاب فيها كل مؤسسات الدولة وقطاع واسع من الشعب.
والسؤال الذى لا يزال معلقا كيف يمكن التعامل سياسيا مع أنصار الجماعة وليس بالضرورة كل أعضائها، وكيف يمكن خلق مسار سياسى قادر على أن يدمج قوى دينية محافظة فى العملية الديمقراطية من خلال أحزاب تؤمن بالدستور المدنى والدولة الوطنية والنظام الجمهورى وجماعات دينية دعوية منفصلة عنها وتلتزم بقوانين الدولة.
التحديات السياسية هى الأخطر فى مصر، ولن نستطيع أن نتقدم اقتصاديا إلا بامتلاك رؤية واضحة للتعامل مع المشكلات السياسية العميقة التى يواجهها المجتمع المصرى ومنها مستقبل الإسلام السياسى، بعد عام على حكم الإخوان وعام على سقوطهم.