المسكوت عنه

المسكوت عنه

المسكوت عنه

 العرب اليوم -

المسكوت عنه

المسكوت عنه
عمرو الشوبكي

فى مصر خطابان هما وجهان لعملة واحدة، وانتعاش أحدهما مرتبط بالآخر، واختفاؤه يعنى اختفاء الآخر، ورغم أنهما يمثلان أزمة مصر الحقيقية، فإنهما ظلا حتى الآن مهيمنَيْن على الساحة السياسية والإعلامية.

والحقيقة أن مصر عرفت منذ انتفاضة 30 يونيو خطابين متعاديين، أحدهما معارض، ولكنه فى الحقيقة لا ينتمى للمعارضة التى تعرفها دول العالم، لأنه يرغب فى هدم المسار السياسى برمته لا تغييره أو إصلاحه، والثانى مؤيد يستدعى مفاهيم فاشية فى الإقصاء والتخوين دمرت مجتمعات قبلنا ويصر على تكرارها فى مصر.

والحقيقة أن خطاب الإقصاء المؤيد وخطاب الإقصاء المعارض لن ينقلا مصر خطوة واحدة للأمام، فمعارضة الإخوان لم ترها مصر منذ ثورة 1919 لأنها معارضة كراهية وتخريب وتمثل أكبر سند للاستبداد منذ عقود، فقد سبق أن عرفت مصر صورا مختلفة من المعارضة، فقد عارض الوفديون سلطة عبدالناصر، وعارض الناصريون واليساريون سلطة السادات، بل انتفضوا ضده فى واحدة من أكبر انتفاضات الشعب المصرى فى 18 و19 يناير، ولكن على خلاف الإخوان لم يكونوا ميليشيات ولا لجاناً إلكترونية تغتال معارضيهم، ولم يشمتوا فى مآسى الشعب المصرى ويتمنوا له الفشل والشر، لأنهم معارضون لنظامه السياسى، ولم يفرحوا ويقولوا للإرهابيين: تسلم الأيادى، عقب استشهاد أى جندى شريف ضحية للإرهاب الذى دعموه.

الفارق بين الإخوان والآخرين ليس فى أنهم عارضوا السلطة، إنما فى حجم الكراهية التى يبثونها كل يوم، حتى صاروا يعطون ألف مبرر لخطاب التطبيل والتحريض السلطوى والوطنية التى تغنى ولا تبنى، حتى لا يعترفوا بأن هناك ملايين رفضوا ومازالوا حكم الجماعة ومستعدين أن يقبلوا السيئ، لأنهم اعتبروا أنهم شاهدوا فى عهدهم الأسوأ.

فى مقابل هذا الخطاب، هناك صراخ وهتاف آخر يحرض كل يوم على القتل والتصفية وإقصاء المخالفين فى الرأى ويعتبر النقد معطلا لمسيرة الحكم والاعتراض على الأخطاء- (كثير منها فج وصادم)- تواطؤا مع الإخوان، وتزايد خطاب التحريض ضد ثورة يناير وضد مئات الآلاف من الشباب وطلاب الجامعات الذين مثلوا على مدار التاريخ المعاصر ضمير مصر والحركة الوطنية، واختزلهم فى عشرات النشطاء المشبوهين.

وبدا خطاب التأييد والتهليل بمثابة ضامن أمين لسوء الأداء والفشل الداخلى وغياب أى رؤية سياسية للإصلاح، وكأن مصر قادرة على الاستمرار بدولة مأزومة ومترهلة إلى الأبد وبشعارات إقصائية فى حق معارضيها أكثر قسوة وحدة مما كنا نراه فى العهود السابقة.

إن أخطر ما تواجهه مصر الآن هو أن هذين الخطابين ينتجان كل يوم العنف والكراهية، فى حين عجزت السلطة عن أن تخلق مساحة فعل سياسى سلمى بينهما، قادرة على استقطاب جزء من صانعى الرفض والاحتجاج إلى ساحة المعارضة السياسية السلمية، وأيضا جزء من المؤيدين والهتافين إلى ساحة العمل السياسى، الذى يقبل الآخر ويعتبر المعارضين ليسوا متآمرين ولا مخربين.

إن نتائج هذا الاستقطاب كارثية على المجتمع، فى ظل حياد سلبى للسلطة تجاه جرائم حقيقية تجرى على الساحة السياسية والإعلامية، واهتمت بفرز المؤيدين والمعارضين وليس (وهو الدور الأساسى الغائب) وضع مبادئ وأسس بناء نظام سياسى جديد يرى أن هناك علماً اسمه التنمية السياسية مثل التنمية الاقتصادية، وفى الحالة المصرية دوره أهم وأخطر، ويجعل بذلك الاستقطاب والتطرف والكراهية على هامش العملية السياسية لا وقودها ومحركها، كما يجرى الآن، ويقف فى وجه العنف المادى واللفظى الذى بات حلاً سهلاً للكثيرين ودون رادع قانونى، ولن تستطيع الدولة، مهما كانت قسوة إجراءاتها الأمنية، السيطرة على هذا العنف.

الدولة المصرية فى خطر نعم، والدولة المصرية مستهدفة نعم، وهناك خطر الإرهاب نعم، ومندوبو الخارج فى الداخل نعم، هذه كلها أخطار، ولكن أين نتائج (وخطر) الحرص على استمرار خطابى الكراهية والتحريض يغذيان بعضهما البعض ويخطفان المجتمع لصالح التخوين والتكفير، حتى صرنا أمام أخطار جسيمة لا يراها البعض إلا فى أبعادها التآمرية بعيدا عن أى رؤية سياسية للتعاطى معها.

المسكوت عنه أن فى مصر خطابين يبدوان للكثيرين أنهما عدوان، والحقيقة أنهما عدوان فى الشكل والمظهر الخارجى، ولكن وجود كل منهما مرتبط بوجود الآخر، وحين ينتعش الأول ينمو الثانى، وأن تواطؤهما معاً بات ضد الشعب المصرى.

حان الوقت لأن نعتبر أن أخطر ما تواجه مصر الآن هو خطاب تيار من المؤيدين الإقصائيين تماما مثل خطر خطاب الإخوان الكارهين، وبينهما يقع الشعب المصرى بأغلبيته المؤيدة الوطنية الطيبة، وأقليته المعارضة التى لا تمارس ولا تحرض على العنف، وعلى أطرافهما يجب أن يذهب خطاب التحريض والكراهية ليبقى فى الهامش، وهو أمر يحتاج فعلا سياسيا وليس مواجهات أمنية أو إعلامية.

arabstoday

GMT 03:52 2024 السبت ,25 أيار / مايو

مفكرة القرية: السند

GMT 03:50 2024 السبت ,25 أيار / مايو

جلطات التاريخ

GMT 03:48 2024 السبت ,25 أيار / مايو

الإصغاء إلى «رواة التاريخ»

GMT 03:46 2024 السبت ,25 أيار / مايو

صولة الأسد بحديث المتنبي عن الحسد

GMT 03:44 2024 السبت ,25 أيار / مايو

القضية الفلسطينية في لحظة نوعية

GMT 03:42 2024 السبت ,25 أيار / مايو

الدولة الفلسطينية ودلالات الاعترافات

GMT 03:39 2024 السبت ,25 أيار / مايو

«الجنايات»: الحقائق غير التمنيات!

GMT 03:38 2024 السبت ,25 أيار / مايو

ذكريات العزبى!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المسكوت عنه المسكوت عنه



GMT 17:55 2024 السبت ,25 أيار / مايو

وفاء عامر تلجأ للعلاج النفسي بعد "حق عرب"
 العرب اليوم - وفاء عامر تلجأ للعلاج النفسي بعد "حق عرب"

GMT 05:23 2024 الجمعة ,24 أيار / مايو

عائشة بن أحمد تعلن اعتزالها التمثيل مؤقتًا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab