بقلم -عمرو الشوبكي
المرارة التى خلفها حكم البشير الإخوانى فى السودان كبيرة، ومخاوف قطاعات واسعة من الحكم الدينى حاضرة بقوة وخاصة عقب التوقيع على إعلان مبادئ بين المجلس الانتقالى والحركة الشعبية لتحرير السودان شمال بزعامة عبدالعزيز الحلو والذى نص على تحقيق سيادة السودان واستقلاله ووحدة أراضيه والاعتراف «بتعدد الأعراق والديانات والثقافات». كما نص على «تحقيق العدالة فى توزيع السلطة والثروة بين جميع أبناء شعب وأقاليم السودان للقضاء على التهميش التنموى والثقافى والدينى، كما نص أيضا على فصل الدين عن الدولة وألا يكون هناك أى إشارة لدين الدولة فى دستور المرحلة الانتقالية.
وقد جاء هذا الاتفاق ليستكمل اتفاق جوبا للسلام الذى وقع العام الماضى مع الجبهة الثورية وحركة تحرير السودان جناح مناوى لينص على دمج الفصائل المسلحة فى مجلس السيادة الانتقالى والحكومة التنفيذية وأيضا دمج مقاتلى الحركات المسلحة فى الجيش السودانى على 3 مراحل، كما جرى التفاهم على أن تبدأ الفترة الانتقالية (39 شهرا) عقب التوقيع على اتفاق السلام وتجاهل الفترة التى سبقته.
ورغم أهمية هذه الاتفاقات من أجل بناء الدولة المدنية الديمقراطية، إلا أنه من المهم الوعى بالصعوبات التى ستخلفها، أمران: الأول دمج فصائل مسلحة فى جيش تأثر بمرحلة السيطرة الحزبية علية فى عهد البشير، وأن عملية الدمج لن تكون بشروط جيش وطنى مكتمل الأركان إنما ستعنى إعادة بناء الجيش والفصائل المسلحة حتى يمكن استيعابهما معا فى كيان وطنى جديد، وهو تحد ليس سهلا.
أما التحدى الثانى فيتعلق بحذف النص على أن دين الدولة الإسلام أو الالتزام بمبادئ الشريعة الإسلامية وهو أمر قد يكون مفهوما فى المرحلة الانتقالية وقد يقبله كثيرون أيضا بعدها لكن التحدى الذى سيثار هنا سيتعلق بكيفية التعامل مع القوى المحافظة والمتدينة فى المجتمع السوادنى، وكيف يمكن إقناعها بأن مدنية الدولة لا تعنى أنها ضد الدين، وهو تحد قد يستغله «أنصار الشريعة»، الذين تظاهروا مرات عديدة فى السودان، لكى يقوضوا المسار الانتقالى برمته على اعتباره معاديا للدين.
والسؤال المطروح: ماذا سيفعل ممثلو الفصائل المسلحة إذا انتخب الشعب السودانى مرشحا محافظا دينيا وضع الالتزام بمبادئ الشريعة كنص فى الدستور؟ ودون أن يكون إخوانيا أو جزءا من مشروع الإسلام السياسى إنما يلعب على المشاعر الدينية لكثير من السودانيين؟.
يقينا السودان يحتاج إلى صيغ توافق دستورية ومؤسسية بأن يكون دستور الدولة مدنيا لا يميز بين المواطنين على أساس العرق والدين والجهة، ولا يبدو أيضا أنه ضد الدين، أى لا يتطرف فى الصيغ العلمانية حتى يقبل من الغالبية العظمى من الناس، كذلك فإن إعادة بناء مؤسسات الدولة تتطلب شروطا يلتزم بها الجميع: أى كل من القوات النظامية الحالية والفصائل المسلحة وليس طرفا واحدا على حساب آخر.