بقلم:عمرو الشوبكي
دعمت تركيا جانبًا كبيرًا من فصائل المعارضة السورية المسلحة والمدنية حتى نجاحها فى إسقاط النظام وتشكيل حكومة انتقالية جديدة، وبات واضحًا حجم الدور التركى فى ترتيب جانب أساسى من خطابها ولغتها الجديدة، فقد دعمت الجيش الحر وهيئة تحرير الشام، وتعمل بشكل عملى على بناء نموذج نجاح فى سوريا متحالف مع تركيا، بصرف النظر عن خلفيات هذه الفصائل الأيديولوجية والعقائدية.
لم تشغل تركيا بالها كثيرًا بمدى عمق المراجعة العقائدية التى أجرتها هيئة تحرير الشام لفكرها العقائدى، إنما دعمت خيارًا سياسيًّا وعسكريًّا سوريًّا لديه حاضنة شعبية كبيرة فى الداخل، مستفيدة من انهيار شعبية الأسد ومن حجم الجرائم التى ارتكبها، على عكس تجارب التغيير العربية الأخرى سواء كانت مسلحة مثل ليبيا التى ظلت هناك حاضنة شعبية ولو محدودة للقذافى، أو سلمية مثل السودان عقب سقوط نظام البشير أو مصر عقب تنحى مبارك، حيث ظل هناك قطاع من الناس مؤيد لهذه النظم، حتى بعد سقوطها، ولذا فإن حالة شبه الإجماع الشعبى على رفض نظام بشار ودعم أى مشروع يُسقطه سهلت من مهمة الفصائل المسلحة فى الانتصار والسيطرة على البلاد.
ومن هنا، فإن الدور التركى حريص على أن يكون داعمًا للمسار الجديد، لا أن يصنعه، على عكس ما جرى فى العراق فى ٢٠٠٣ حين غزته الولايات المتحدة، وأسقطت نظامه بالقوة المسلحة، وعينت أمريكيًّا «بريمر» ليقود المرحلة الانتقالية، ثم استخدمت بعد ذلك أدوات محلية لإدارة العراق، أما فى سوريا فالفصائل السورية هى التى أسقطت النظام بدعم خارجى تركى، واختارت التوقيت المناسب لمعركتها، بعد أن تراجعت قوة حزب الله والميليشيات الإيرانية، وأسقطت النظام فى أقل من عشرة أيام. تركيا قرأت هذا الواقع جيدًا، ودعمت المعارضة من وراء الستار، وراهنت على الجواد الرابح الذى صُنع وتربى فى الواقع المحلى السورى، وكان يحتاج اللحظة المناسبة ليعلن انتصاره.
إن خطاب قادة سوريا الجدد فيه كثير من «البراجماتية التركية» و«وعى ما» بإرث عقدين من الزمان عرفت فيهما سوريا مآسى كثيرة، وأيضًا وعى بوطأة فشل تجارب التغيير العربية، بما فيها التجارب المدنية والسلمية.
التداخل التركى مع التجربة السورية انطلق من أنه غير مُحمَّل بإرث الانقسامات الأيديولوجية العربية وليس طرفًا مباشرًا فيها، فاختفت جمل «اجتثاث البعث»، التى طُرحت فى العراق، كما غابت جملة «حل الجيش»، وسَعَت القيادة الجديدة إلى تسوية أوضاع جنود وضباط الجيش السورى ماداموا لم يرتكبوا جرائم فى حق الشعب.
وضعية تركيا، التى لم تكن طرفًا فى أى تجربة تغيير عربية سابقة، جعلتها فى وضع سمح لها أن تقول للجانب السورى: يجب أن تكون أعينكم على المستقبل، وألّا تشغلوا أنفسكم بمعارك الماضى، وهذا تحدٍّ ليس بالسهل تحقيقه.