بقلم - عمرو الشوبكي
ليس معتادًا أن تقوم الجيوش النظامية باستهداف الأطفال وقتلهم، حتى فى ظل أشد الحروب بشاعة ودموية، فهو سلوك بعض الجماعات الإرهابية لأن معظمها لا يقدم متعمدًا على هذا النوع من الجرائم.
ومن هنا فإن جريمة الجيش الإسرائيلى فى حق الطفلة الفلسطينية «هند» هى جريمة قتل مع سبق الإصرار فى حق أطفال تضع جنود الاحتلال فى خانة مجرمى الحرب الأشد بشاعة فى تاريخ الإنسانية.
والحقيقة أن قوات الاحتلال تعمدت منذ اليوم الأول لهذه الحرب أن تستهدف المدنيين، واعتادت أن تقصف سيارات وبيوتًا ومدارس ومستشفيات مدنية طوال الحرب، لكنها هذه المرة استهدفت سيارة مدنية صغيرة بها أب وأم وأطفاله، بجانب ابنة شقيقته، هند رجب، (٦سنوات)، فقتلوا على الفور كل أفراد الأسرة ماعدا طفلتين ظلتا لأيام على قيد الحياة.
وقد قامت الطفلة الأولى «ليان» بتلقى اتصال هاتفى من الهلال الأحمر، الذى أرسل سيارة إسعاف فى محاولة لإنقاذها، ولكن قوات الاحتلال قصفت سيارتهم، وقتلت على الفور المسعفين الاثنين، ولم يفرق معهم أنهما يستقلان سيارة إسعاف مدنية.
ماتت «ليان» أولًا، وبقيت «هند» على قيد الحياة عدة أيام، وهى محاطة بجثامين أسرتها دون أكل أو شرب حتى قُتلت برصاص جنود الاحتلال فى مشهد إجرامى من الصعب مشاهدته فى أى مكان فى العالم إلا مع القوات الإسرائيلية. المشكلة الحقيقية تكمن فى إحساس قادة دولة الاحتلال أنهم فوق المحاسبة والقانون الدولى وأنهم سيفلتون من العقاب مهما كانت بشاعة جرائمهم، فرغم أن الهلال الأحمر الفلسطينى نسق مع منظمات دولية، وأن الأخيرة أخذت ضوءًا أخضر من قوات الاحتلال بأن تذهب سيارة الإسعاف لإنقاذ الأطفال، بعد أن تأكدت من خلال الاتصالات الهاتفية أنهم أطفال، ومع ذلك قصفت سيارة الإسعاف وقتلت مَن فيها وأطلقت النار على الطفلتين وقتلتهما.
وقد أعدم جنود الاحتلال أطفالًا ميدانيًّا بالرصاص الحى، وتركوا جثث ٦ شهداء، منهم ٥ من أسرة واحدة بجانب «هند» من العائلة ١٢ يومًا حتى تحللت.
يجب ألّا تمر هذه الجريمة مرور الكرام على المجتمع الدولى، ويجب أن تصبح وثيقة إدانة جديدة فى يد جنوب إفريقيا، التى تحاول محاصرة إسرائيل فى المحافل الدولية. إن الدعوى التى رفعتها جنوب إفريقيا أمام محكمة العدل الدولية فى ٨٤ صفحة اتهمت فيها إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية فى حق الفلسطينيين بغرض
«تدميرهم كمجموعة قومية وعنصرية وإثنية»، مما يشكل انتهاكًا للاتفاقية المتعلقة بالإبادة الجماعية، وطالبت المحكمة «باتخاذ تدابير مؤقتة لحماية حقوق الفلسطينيين».
هذه الحادثة يجب أن توثقها جنوب إفريقيا، وتضيفها إلى سجل الاتهام الذى قدمته إلى محكمة العدل الدولية، كما يجب أن يتذكر العالم، الذى صدّعنا بمواثيق لحماية الطفولة، أن عليه واجب محاسبة مَن قتل الطفولة والبراءة ولا يزال فوق المحاسبة.