بقلم - عمرو الشوبكي
هى المرة الأولى التى يتقاطع فيها موعد إقامة بطولة إفريقيا لكرة القدم مع موعد نظيرتها الآسيوية حتى أصبحت حديث الساعة عربيًّا وإفريقيًّا وآسيويًّا، ولن نبالغ لو قلنا أيضًا عالميًّا. وصحيح أن مأساة غزة لا تزال هى الخبر الأول فى كل مكان، وأن حضور فلسطين فى بطولة آسيا ورفع أعلامها فى بطولة إفريقيا جعلها حاضرة فى كل الساحات بما فيها ساحة الرياضة.
إن السؤال الذى طُرح فى بطولات كأس العالم، وطُرح بقوة فى بطولة آسيا وبدرجة أقل فى بطولة إفريقيا، يتعلق بعلاقة التقدم والرخاء الاقتصادى بكرة القدم، وهل بالضرورة البلاد المتقدمة صناعيًّا والغنية اقتصاديًّا تكون متقدمة أيضًا فى كرة القدم؟. الإجابة الواقعية تقول لا.
المؤكد أن أحد العوامل التى تساعد على التقدم فى المجال الرياضى هو تقدم البلد اقتصاديًّا وسياسيًّا، ولكنه ليس العامل الوحيد لأنه لا يفسر تقدم كثير من دول أمريكا الجنوبية كرويًّا رغم أن الكثير منها يعانى ظروفًا اقتصادية صعبة ومشكلات فقر، ولا تُصنف ضمن الدول المتقدمة أو دول العالم الأول، حتى لو أصبحت معظمها تنتمى للعالم الثانى وليس عالمنا الثالث.
إن بلدًا مثل اليابان شاهده الكثيرون فى بطولة آسيا يُعتبر من أكثر بلاد العالم تقدمًا وثراءً، ومع ذلك خسرت أمام إيران الأقل تقدمًا منها بكثير. ولم تحقق أى انتصار كروى كبير فى أى بطولة قارية أو عالمية.
المؤكد أن التنافس الأوروبى اللاتينى على بطولة كأس العالم منذ انطلاقها فى عام 1930 يدل على أن الفوز ليس بالضرورة حليف الأكثر تقدمًا، فعلاقة كرة القدم بالتقدم والتخلف ليست شرطية ولا عكسية، إنما هى أحد العوامل المساعدة على تحقيق النجاح والفوز، وليست بالضرورة الأساسية، وأن مشكلتنا فى مصر أشد عمقًا من مشكلة دولة نامية لأنها لم تنجح مثل دول نامية كثيرة فى وضع منظومة احتراف عالمية فى كرة القدم من إدارة حديثة وتخطيط علمى ومدربين محترفين، مثلما حدث مع دول أمريكا الجنوبية وكثير من الدول الإفريقية والآسيوية، ففى كل هذه البلدان يوجد لاعبون عالميون احترفوا فى أكبر الأندية العالمية، و«بهتوا» على واقعهم المحلى، وليس العكس حين حاول البعض أن يبهت منظومة الكرة بمشاكلها فى مصر على لاعب مثل محمد صلاح وغيره.
إن هناك دولًا كثيرة فى إفريقيا أوضاعها الاقتصادية أصعب من مصر، ولكنها نجحت فى أن تؤسس منظومة احتراف كروية حديثة جعلتها تحقق نتائج أفضل من التى حققناها فى بطولة إفريقيا.
نعم البلاد النامية فى إفريقيا وآسيا تعانى مشكلات سياسية واقتصادية وثقافية تؤثر فى الرياضة، ولكن خبرة بلاد كثيرة منها تقول إنها صنعت استثناءات فى كرة القدم رغم مشاكلها، ونجحت فى وضع منظومة احترافية حديثة جعلتها تتفوق على بلدان متقدمة كبرى.