الاعتدال الفاعل

الاعتدال الفاعل

الاعتدال الفاعل

 العرب اليوم -

الاعتدال الفاعل

بقلم - عمرو الشوبكي

كشف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة حجم التطرف في الخطاب الإسرائيلي وسياسة الكيل بمكيالين الغربية، وهو سيتطلب مراجعة في أداء خطاب الاعتدال العربي والفلسطيني، حتى يمكنه التأثير في التحولات الجديدة.

صحيح هناك من انتقد خيار الاعتدال العربي منذ بدايته حتى لو استفاد من نتائجه، وعدَّه يعمل على تصفية القضية الفلسطينية، لأنه اختار مسار التسوية السلمية الذي تبلور في أعقاب انتفاضة شعبية كبيرة وملهمة وهي «انتفاضة الحجارة» في 1987 والتي بفضلها دخلت منظمة التحرير الفلسطينية وقائدها ياسر عرفات مسار التفاوض السلمي، وهي تمتلك ورقة الإرادة الشعبية، ووقعت على اتفاق أوسلو في 1993، وصنفت بعدها ضمن تيار الاعتدال، بعد أن كانت تحسب على المتشددين ولفترات طويلة بين المتطرفين.

ويمكن القول إجمالاً إن قوة تيار الاعتدال الفلسطيني انطلقت في بداياته من النضال الشعبي والمدني، بوصفه ورقة ضغط على الدولة العبرية، ومن التفاوض بوصفه وسيلة لتحقيق أهداف هذا النضال، أما نقطة ضعفه الرئيسية فتمثلت في تحول مؤسسات سلطته إلى كيانات بيروقراطية فيها كثير من الترهل وسوء الأداء، وتعاملت من حيث الشكل كأنها دولة، في حين أنها حصلت على حكم ذاتي وأدارت ولم تحكم الضفة الغربية وغزة (قبل أن تسيطر عليها «حماس» في 2007)، وفقدت جزءاً كبيراً من حاضنتها الشعبية التي دعمتها عقب انتفاضة الحجارة وانتفاضة الأقصى (2000)، والتي ذهبت إما لتنظيمات المقاومة المسلحة، وإما تمسكت بنضالها الشعبي والمدني ضد الاحتلال، ولكن من خارج أطر السلطة الفلسطينية.

يقيناً، إسرائيل مسؤولة عن إضعاف تيار الاعتدال وإغلاق طريق التسوية السلمية وحل الدولتين، ببناء المستوطنات في الضفة الغربية، ومضاعفة أعداد المستوطنين، وقمع العمل المدني الفلسطيني، وبناء نظام عنصري عسكري يقهر ويعتقل ويقتل حتى من لم يحملوا سلاحاً، ويقضي على طموحات الشعب الفلسطيني في بناء دولة مستقلة عاصمتها القدس الشرقية.

ومع ذلك، يمكن القول إن نموذج «الاعتدال الفاعل» ظل موجوداً في داخل الضفة الغربية وبين عرب 48، من خلال دور الروابط الشعبية والمنظمات الشبابية والمدنية والحقوقية التي تناضل من أجل رفض التمييز داخل فلسطين التاريخية، وتعمل على فضح جرائم الاحتلال في الأراضي الفلسطينية، والعنصرية والتمييز وسلب بيوت الفلسطينيين، وبناء المستوطنات غير الشرعية.

والحقيقة أن هذا النموذج الذي يبدو متراجعاً في الوقت الحالي أمام عدوان جيش الاحتلال، سيكون له دور كبير «بعد أن تسكت المدافع»، وبعد أن تتوقف الحرب، خاصة أن مهمة توثيق الجرائم الإسرائيلية وطرحها في المحافل الدولية ستكون مهمة قوى مدنية تنتمي «للاعتدال الفاعل»، وليس لتنظيمات دينية عقائدية، كما فعلت جنوب أفريقيا وليست إيران، حين ذهبت لمحكمة العدل الدولية تتهم فيها إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني.

أما تيار الاعتدال العربي فقد تميز بجوانب قوة كثيرة، منها قدرته على طرح المبادرات السياسية، ولكنه أيضاً عرف جوانب ضعف خاصة على مستوى الأداء العام.

ولعل أبرز جوانب هذه القوة أنه امتلك الجرأة في طرح مسار للتسوية الشاملة عقب انتفاضة الأقصى، ودخول مسار أوسلو إلى غرفة الإنعاش، حين أطلق الملك عبد الله في 2002 مبادرة السلام العربية التي أعلنت في مؤتمر القمة العربية في بيروت، ونصت بشكل واضح على ضرورة انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة بما فيها الجولان، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة في الضفة والقطاع عاصمتها القدس الشرقية، في مقابل تطبيع العلاقات مع إسرائيل.

وهنا سنجد أن الموقف العربي كان ملتزماً بقرارات الأمم المتحدة والشرعية الدولية ولم يخرج عنها، في حين أن إسرائيل لم تلتزم بأي من هذه القرارات ولم يحاسبها أحد؛ لأنها ظلت دولة استثناء فوق القانون الدولي والشرعية الدولية.

أما جوانب الضعف فهي ترجع أساساً لعدم بلورة خطاب مواجهة مدني حقيقي ضد السياسات الإسرائيلية، وخاصة بعد الجرائم التي ارتكبت بحق المدنيين في قطاع غزة، وترك الساحة لشعارات خطاب الممانعة التي نجحت في استقطاب جانب من الرأي العام العربي، رغم أنها لم تقدم بديلاً حقيقياً للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، والعربي - الإسرائيلي.

لقد اكتفى البعض من تيار الاعتدال بمهاجمة المحور الممانع والمتشدد، ونسي أن في إسرائيل «محوراً» أكثر تشدداً وممانعة وعنصرية من المتشددين في العالَمين العربي والإسلامي، وأن خطاب «الاعتدال الفاعل» سيعني الانشغال ببناء مشروع سياسي يجب أن يكون مناهضاً للتشدد الاستيطاني العبري بأدوات مدنية وشعبية وضغوط قانونية وسياسية، ولا يبدو أنه متصالح معه أو يقبله؛ لأن حرب غزة كشفت عن وجه إسرائيلي شديد التطرف والعنصرية، خاصة بعد إعلان منظومة الحكم الحالية برئاسة نتنياهو رفضها لحل الدولتين، ولأي تسوية سلمية مع الفلسطينيين.

إن خطورة رسالة إسرائيل من حرب غزة تقول إنها ليست فقط كما - هي العادة - دولة محصنة وفوق القانون، وإنما تمارس تطهيراً عرقياً، وحرب إبادة، ويستهدف مسؤولوها في الحكم (وليس تنظيمات التطرف الصهيوني) الأعراق والقوميات والأديان الأخرى بشكل عنصري وتحريضي، أي أن مَن يتصور من تيار الاعتدال أن المشكلة في المتشددين العرب فقد كشفت له حرب غزة عن أن المشكلة الأساسية في المتشددين الإسرائيليين، والتعامل معهم سيتطلب مشروعاً متكاملاً «للاعتدال الفاعل» يواجه هذه التحولات.

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الاعتدال الفاعل الاعتدال الفاعل



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
 العرب اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
 العرب اليوم - "نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 06:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

1000 يوم.. ومازالت الغرابة مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:49 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الاتحاد الأوروبي يؤجل عودة برشلونة إلى ملعب كامب نو

GMT 14:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئاسة الفلسطينية تعلّق على "إنشاء منطقة عازلة" في شمال غزة

GMT 06:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا لـ3 مناطق في جنوب لبنان

GMT 12:26 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنائية الدولية تصدر مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت

GMT 13:22 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الإيراني يناشد البابا فرانسيس التدخل لوقف الحرب

GMT 13:29 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

رئيس دولة الإمارات وعاهل الأردن يبحثان العلاقات الثنائية

GMT 14:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 06:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نتنياهو يعلن عن مكافأة 5 ملايين دولار مقابل عودة كل رهينة

GMT 14:17 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نادين نجيم تكشف عن سبب غيابها عن الأعمال المصرية

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 23:34 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

يسرا تشارك في حفل توقيع كتاب «فن الخيال» لميرفت أبو عوف

GMT 08:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

تنسيق الأوشحة الملونة بطرق عصرية جذابة

GMT 09:14 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات أوشحة متنوعة موضة خريف وشتاء 2024-2025

GMT 06:33 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صهينة كرة القدم!
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab