بقلم - عمرو الشوبكي
البعض يتعامل مع خيار الاعتدال وكأنه فرصة للخمول والانسحاب من مواجهة التحديات، ويصبح الحديث عن العقلانية فى اتخاذ القرارات مساويًا لعدم اتخاذ أى موقف أو قرار والبقاء فى مساحة باهتة وغير مؤثرة.
يجب عدم النظر لخيار الاعتدال على أنه مساوٍ للخمول، إنما يجب أن يكون هذا الاعتدال فاعلًا ومؤثرًا، وأن حرب غزة تحتاج بالفعل لتيار اعتدال عربى يستخدم العقل وقادر على أن يضغط ويفاوض؛ لأن تيار الممانعة يمكنه الصمود والمقاومة بالسلاح، لكنه حتى اللحظة غير قادر على بناء النموذج البديل فى الحكم والإدارة والضغط السياسى والتفاوض، وقد تكون تجربة حماس منذ أن سيطرت على غزة دليلًا على تلك الأزمة.
نعم.. يحتاج العالم العربى لاعتدال فاعل، وليس اعتدالا خاملا، كما فعل تيار الاعتدال الفلسطينى الذى انطلق فى بداياته من النضال الشعبى والمدنى كورقة ضغط على الدولة العبرية، ومن التفاوض كوسيلة لتحقيق أهداف هذا النضال.. أما نقطة ضعفه الرئيسية، فتمثلت فى تحول مؤسسات سلطته إلى كيانات بيروقراطية، فيها كثير من الترهل وسوء الأداء.
وتعاملت من حيث الشكل كأنها دولة فى حين أنها حصلت على حكم ذاتى وأدارت ولم تحكم الضفة الغربية وغزة (قبل أن تسيطر عليها حماس فى 2007)، وفقدت جزءا كبيرا من حاضنتها الشعبية التى دعمتها عقب انتفاضة الحجارة وانتفاضة الأقصى (2000)، والتى ذهبت إما لتنظيمات المقاومة المسلحة، أو تمسكت بنضالها الشعبى والمدنى ضد الاحتلال ولكن من خارج أطر السلطة الفلسطينية.
يقينًا، إسرائيل مسؤولة عن إضعاف تيار الاعتدال وإجهاض فرص التسوية السلمية وحل الدولتين بـ«بناء المستوطنات فى الضفة الغربية، ومضاعفة أعداد المستوطنين، وبناء نظام عنصرى يقهر ويعتقل ويقتل حتى من لم يحملوا سلاحا ويقضى على طموحات الشعب الفلسطينى فى بناء دولة مستقلة عاصمتها القدس الشرقية».
لقد أضعف تيار الاعتدال الفلسطينى والعربى، واختار البعض بدلا منه خيار الاعتدال الخامل، الذى اكتفى بمهاجمة المحور الممانع والمتشدد ونسى أن فى إسرائيل «محورًا» أكثر تشددًا وممانعة وعنصرية من المتشددين فى العالمين العربى والإسلامى، وأن المستقبل لن يكون إلا باعتدال غير خامل قادر على بناء مشروع سياسى مناهض للتشدد الاستيطانى العبرى بأدوات مدنية وشعبية وضغوط قانونية وسياسية، ولنا فى خبرة جنوب إفريقيا الدولة المدنية المعتدلة أسوة حسنة.
أمام مشروع الاعتدال العربى والفلسطينى تحديات كبيرة، منها: عدم ترك الساحة للخطط الأمريكية الخاصة بحكم قطاع غزة بعد انتهاء الحرب، وأيضا المساهمة فى إعداد وتأهيل كوادر السلطة ومنظمة التحرير الفلسطينية لتكون جاهزة للدخول فى أى مسار يؤدى لحل الدولتين، وأخيرًا، المساهمة الفعالة فى فضح الجرائم الإسرائيلية فى المحافل الدولية والقيام بحملات سياسية وقانونية ضد سياستها الاستعمارية.
يحتاج الشعب الفلسطينى فى الوقت الحالى أكثر من أى وقت مضى إلى خيار اعتدال عربى مؤثر وغير خامل.