«تاريخ ما أهمله التاريخ» الوطن والكنيسة

«تاريخ ما أهمله التاريخ» الوطن والكنيسة

«تاريخ ما أهمله التاريخ» الوطن والكنيسة

 العرب اليوم -

«تاريخ ما أهمله التاريخ» الوطن والكنيسة

بقلم: مصطفى الفقي

كنت قد قررت فور وصولى إلى العاصمة البريطانية أن اختار موضوع أطروحتى للدكتوراه حول إحدى قضايا العلاقات الدولية المعاصرة، وكنت أسعى إلى دراسة سياسات طويلة المدى لإحدى القوى الكبرى فى العالم، مع التركيز على الجوانب الاستراتيجية التى لا تبتعد كثيرًا عن العلاقة بين الإدارة الدبلوماسية والقوة العسكرية، فقد كنت مفتونًا وقتها بموازين القوى فى الصراع العربى الإسرائيلى والدعم الغربى المطلق للدولة العبرية على حساب الحقوق الفلسطينية ولكن لقائى بالبروفيسور «فاتيكيوتس»، أستاذ العلوم السياسية، بناءً على نصيحة من الإعلامى والدبلوماسى الراحل «تحسين بشير» جعلت الأستاذ البريطانى الجنسية اليونانى المولد يدعونى إلى اختيار موضوع يتصل بالنظام السياسى المصرى وتطوره الحديث، وأضاف قائلًا لى: إن عندك «ميزة نسبية» أنت وغيرك من المصريين فى أن تدرسوا عن وطنكم لأن لديكم مصادر قد لا تكون متاحة لمن يدرسون أوضاعه من غير أبنائه، ولأن بوادر الاضطرابات الطائفية قد ظهرت بعد رحيل الرئيس «عبدالناصر» والبابا «كيرلس السادس» ومجىء رئيس جديد للدولة وبابا جديد للكنيسة، فقد دفعتنى إلى انتقاء موضوع يتصل بالعلاقة بين المسلمين والأقباط فى «مصر» عبر مراحل التاريخ الحديث، مع التركيز على دورهم فى الحياة السياسية، وكنت قد قرأت باستمتاع كتاب المستشار «طارق البشرى»، وهو قانونى ومؤرخ، ووجدت فيه إيحاءات مضيئة تدعو إلى مزيد من الدراسة ومواصلة البحث، ولقد اتخذت من السياسى المصرى القبطى «مكرم عبيد» (حالة دراسية) لأنه كان سكرتيرًا عامًا لحزب الأغلبية «الوفد»، كما أنه تمتع برصيد شعبى كبير لأنه خرج من إطار الطائفة الدينية إلى إطار الساحة الوطنية، وعكفتُ سنوات على جمع المادة العلمية، خصوصًا فى الجزء النظرى للأبواب الثلاثة الأولى من الرسالة والتى تركزت حول تاريخ الأقباط وفرادة وجودهم وأدوارهم عبر مراحل التاريخ المختلفة، ووقفت قلقًا أمام دور «المعلم يعقوب» مع الحملة الفرنسية على «مصر»، حيث أعطوه رتبة «جنرال» لأنه كان داعمًا لهم ومناوئًا للمقاومة المصرية ضدهم، ولكن قلقى زال وثقتى فى الوحدة الوطنية المصرية تعززت عندما اكتشفت أنه لم يجد دعمًا من الشباب القبطى فى ذلك الوقت، بل إن بابا الأقباط استهجن فعلته واتهمه بـ«الهرطقة»، وعندما خرج الفرنسيون من «مصر» اضطر الجنرال «يعقوب» أن يلازمهم حيث مات فى الطريق إلى «مارسيليا»، وألقى الفرنسيون بجثمانه فى عرض البحر، فـ«مصر» عصيّة بتكوينها على الطائفية البغيضة ولديها عقل جمعى- إسلامى ومسيحى- يحول دون ذلك، وعندما عدت إلى «مصر» والتحقت بمؤسسة الرئاسة كلفنى الرئيس الأسبق «مبارك» بمتابعة ملف العلاقة بين الكنيسة والدولة وحل المشكلات التى تطرأ والوقاية من الأزمات المحتملة، ولقد ظل الرئيس الأسبق يوفدنى للبابا «شنودة» بشكل منتظم، خصوصًا فى أوقات الأحداث الساخنة بين المسلمين والمسيحيين فى بعض مناطق الدولة المصرية، وكان الرئيس الأسبق يفعل ذلك حتى بعد ما تركت مؤسسة الرئاسة، فظللت بتوجيه منه قريبًا من هذا الملف شديد الحساسية بالغ الأهمية، ولقد جمعتنى بالبابا «شنودة» لقاءات طويلة وكان رحمه الله يثق بى ويأنس للحديث معى، وأتذكر أنه حكى لى شخصيًا قصة خلافه مع الأب «متى المسكين» واستثمار البعض لذلك الخلاف عندما أبعد الرئيس «السادات» البابا «شنودة الثالث» عن مقره فى الكاتدرائية ليذهب إلى منفاه الاختيارى فى الدير بعدما سحبت الدولة اعترافها بالخاتم الرسمى الممهور باسمه كبابا للأقباط، ولم يكن البابا «شنودة» يحمل مرارة لا تجاه الرئيس «السادات» ولا تجاه الأنبا «متى المسكين»، وبالمناسبة فقد تلقيت دعوة للمشاركة فى ذكرى الأب «متى المسكين» يقيمها مركز «الجيزويت» فى «الإسكندرية» خلال الأسابيع القادمة، وبعد زياراتى للكنيسة ولقاءاتى مع بابا الأقباط تكرست بيننا صداقة قوية حتى إنه كان يتصل بى فى عيد ميلادى ويتذكره دائمًا لأنه يوافق يوم عيد جلوسه، وكان الرئيس الأسبق «مبارك» يعلم بعلاقتى الوثيقة بالبابا فيوفدنى إليه فى مهمات عاجلة، أذكر منها إقناع قداسته بالعودة من الدير إلى مقره بعد أحداث «العمرانية» وقبيل تفجير كنيسة «القديسين» فى «الإسكندرية»، وأتذكر أن البابا «شنودة» قد أجرى اتصالًا هاتفيًا بى وكان الذى طلبنى له هو الأخ «هانى عزيز» الذى كان قريبًا من البابا - مهما قيل بغير ذلك - ويومها قال لى البابا الراحل إن غدًا هو الاحتفال بعيد الميلاد والأقباط فى حالة احتقان شديد وألم بالغ بعد حادث كنيسة «الإسكندرية» وقد يتعذّر علىّ توجيه الشكر للمسؤولين فى الدولة فى نهاية العظة التى أختتم بها الصلاة، وأخشى من ردود فعل الحاضرين التى قد تتحول إلى صياح أو ضجيج، فما رأيك؟ فاقترحت عليه أن يقول عبارات عامة يشير فيها إلى لقائه الأخير برئيس الدولة والدعوة إلى تعزيز أواصر الوحدة الوطنية، فقال قداسته: إن هذا ما أنتوى قوله، وبالفعل اختتم عظته بعبارات لا تستفز أحدًا، بل تُرطّب مشاعر المصريين المجروحين بعد الجريمة النكراء فى كنيسة «القديسين» بالإسكندرية، وأتذكر أن السيد «علاء مبارك» وزوجته كانا يجلسان فى الصف الأول كنوع من المواساة بعد أحداث الكنيسة المروّعة، بل كان الابن الأكبر للرئيس الأسبق يزمع الذهاب بشكل غير علنى إلى مقر الكنيسة فى «الإسكندرية» لمواساة أسر الضحايا، ولكن أحداث «الثورة المصرية» وقبلها بأسبوعين «الثورة التونسية» ربما شغلته عن ذلك، وقد كنت أحضر الصلوات الرسمية فى عيدى الميلاد والقيامة رغم شعورى بالألم فى ركبتى نتيجة الجلوس والقيام المتكرر وفقًا لمراسم الصلاة، وكنت أهمس فى أذن صديق دراستى الذى يجلس بجوارى أ. «منير فخرى عبدالنور» أننى لا أفهم العبارات التى تتردد باللغة القبطية أثناء الصلاة، فيقول لى: لا تقلق ولا أنا أيضًا! وأتذكر أنه كان يصافح البابا «شنودة» عند انتهاء الصلاة، دون أن يقبّل يديه، وفى السنة الأخيرة وجدت «منير» ينحنى على يديه ويقبّلها، فقلت له: ما هذا التغيير؟ هل لأنك أصبحت وزيرًا؟! فقال لى: لا ولكننى أشعر أنها المرة الأخيرة التى يحضر فيها البابا «شنودة» صلاة عيد الميلاد، فأنا أدرك أنه قد أوشك على الرحيل، وقد كان!

arabstoday

GMT 03:57 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

حامد ربيع.. أستاذ علم الحضارات

GMT 04:59 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

اعترافات ومراجعات (80).. اليهود وكورت فالدهايم

GMT 03:37 2024 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

مجمع اللغة العربية.. الأزمة والحل

GMT 02:51 2024 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

اعترافات ومراجعات (62) الاكتئاب سلعة إسرائيلية

GMT 03:29 2024 الأربعاء ,12 حزيران / يونيو

اعترافات ومراجعات (59) من أحمد حسنين إلى أسامة الباز

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«تاريخ ما أهمله التاريخ» الوطن والكنيسة «تاريخ ما أهمله التاريخ» الوطن والكنيسة



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 07:48 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
 العرب اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 09:23 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
 العرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 05:57 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

المحنة السورية!

GMT 07:17 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

اليمامة تحلّق بجناحي المترو في الرياض

GMT 19:01 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

6 قتلى في قصف للدعم السريع على مخيم للنازحين في شمال دارفور

GMT 22:51 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الإسرائيلي يأمر بإخلاء شمال خان يونس "فوراً" قبل قصفه

GMT 20:03 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

القبض على موظف في الكونغرس يحمل حقيبة ذخائر وطلقات

GMT 20:27 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

دعوى قضائية على شركة أبل بسبب التجسس على الموظفين

GMT 22:06 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

إيقاف واتساب في بعض هواتف آيفون القديمة بدايةً من مايو 2025

GMT 08:16 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

وفاة أسطورة التنس الأسترالي فريزر عن 91 عاما

GMT 18:35 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

العراق ينفي عبور أي فصيل عسكري إلى سوريا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab