زراعة الصحراء فى الوطن العربى

زراعة الصحراء فى الوطن العربى

زراعة الصحراء فى الوطن العربى

 العرب اليوم -

زراعة الصحراء فى الوطن العربى

بقلم : د. مصطفى الفقى

عاشت الإنسانية ردحًا طويلًا من الزمان وهي تعتبر الصحراء تكوينًا طبيعيًا يمثل الجانب السلبي للحياة نظرًا لصعوبة الطقس وندرة المياه، ولكن الأمر بدأ يختلف الآن فالصحراء هي مخزن المعادن النفيسة، ومستودع الموارد الطبيعية النادرة، وهي بذلك تمثل ثروة قومية، وإذا كنا نتوهم أن الصحراء هي مساحة سلبية محسوبة على خريطة الوطن فنحن واهمون، لأن الصحراء قد أصبحت مصدر إلهام سياحي ومناطق جذب لهواة ارتيادها، إذ أن سياحة الصحراء أصبحت واحدة من أهم أنماط السياحة في عصرنا لأنها تسعى نحو مناطق جافة نقية التهوية لا تعرف التلوث، ولقد لاحظنا أن هناك دولًا صحراوية تجاوزت العقدة التقليدية لتصبح مصدر إلهام لأجيال تدرك حب الصحراء، وربما يكون الاتجاه المنتظر للسياحة في دولة مثل المملكة العربية السعودية منطلقًا من هذا التصور في ظل التوجهات الإصلاحية الجديدة هناك، أما نحن هنا في مصر فلدينا ما هو أهم وأعظم في صحرائنا المترامية في دولة يعيش سكانها على ما يزيد قليلًا على 6% من المساحة الكلية، ولعلي أطرح هنا رؤية لاستغلال الصحراء المصرية من خلال المحاور التالية:

أولًا: إن درجة سطوع الشمس في الصحراء المصرية المترامية تجعل منها بيئة مثالية لتوليد الطاقة الشمسية حسب تكنولوجيا الألواح المعدة لذلك الغرض، ويمكن أن تكون مصر - ولعلها فى الطريق إلى ذلك - مصدرًا رئيسًيا للطاقة الشمسية في المنطقة، وربما في العالم كله ذلك أن درجة سطوع الشمس في بلادنا تبدو أقوى من معظم المناطق المتخصصة في ذلك النوع من الطاقة.

ثانيًا: إن الصحراء الواسعة تضم واحات مأهولة وربما كان أكبرها في محافظة الفيوم ثم واحة سيوة والواحات الأخرى المتناثرة، وتلك كلها مناطق جاذبة للسياحة الأجنبية والداخلية أيضًا، فالواحات في النهاية هي بقع خضراء تنفجر فيها عيون المياه فتبدو من أجمل مناطق الدنيا وأكثر المقاصد السياحية جاذبية وتأثيرًا.

ثالثًا: إن بعض البلاد ـــ وفي مقدمتها مصر ـــ هي مركز جذب سياحي من خلال الآثار المتناثرة في الصحراء بدءًا من المعابد الفرعونية مرورًا بالأديرة المسيحية وصولًا إلى الأضرحة الإسلامية والتي يقبع بعضها في أطراف الصحراء مثلما هو الأمر بالنسبة للمزار الديني لأبي الحسن الشاذلي والأديرة التي تعد واحات مضيئة في أعماق الصحراء، فضلًا عما تركه الفراعنة من آثار وتراث يبقى على مر الزمان.

رابعًا: إن التنقيب عن المعادن وغيرها من إفرازات الطبيعة ـــ خصوصًا البترول ـــ هى منح إلهية يسعى إليها الناس فتحيل شركات التنقيب تلك المناطق المعمورة إلى مجتمعات عصرية يتطلع إليها الجميع، ولدينا نموذج شركة أرامكو في شرق المملكة العربية السعودية التي تبدو قلعة شامخة على أطراف الصحراء في منطقة الظهران.

خامسًا: إن مسألة الكشوف الجغرافية الداخلية في أعماق الصحراء هي لون آخر من ألوان الإثارة التي يشعر بها الغرباء وهم يتحركون بسياراتهم وسط الآثار الإسلامية والقبطية وقبلهما الفرعونية، في سيمفونية زمنية لا نكاد نجد لها نظيرًا بين آثار العالم المختلفة وكل ذلك نبت الصحراء الواسعة بما فيها من كنوز خطيرة وموارد بشرية جنبًا إلى جنب مع ما يريده بعض الذين سبقوني وأدركوا أن الصحراء الواسعة هى منارات للتقدم، لأنها تحتوي على عشرات المشروعات التي تستهوي الشباب وتفتح أمامهم آفاقاً للمستقبل الواعد.

سادسًا: إن بعض مناطق الصحراء كانت في الأصل بقاعاً يانعة في فترات معينة من التاريخ ولكن جاء عليها حين من الدهر فقدت بريقها وتصحرت بعد خضرة، وأصبحت مصنفة وكأنها أرض الجن، ولكن بريقها مازال يشد الأجانب أساتذة وباحثين وخبراء الذين يرون في رمال الصحراء بديلًا عن معالم أخرى يفتقدونها في بلادهم.

سابعًا: دعنا نعترف بأن الصحراء ليست في مجملها نقمة، ولكنها يمكن أن تتحول إلى نعمة لأن فيها آفاقًا واسعة لاستكشاف الحقائق، وحل رموز الكون، وفيها تبدو أهمية الآثار التي هي ملك لأجيال قادمة علها تدرك فلسفة الصحراء وارتيادها، ومازالت أصداء البعثة الكشفية التي قادها أحمد حسنين باشا رئيس الديوان الملكي المصري في منتصف أربعينيات القرن الماضي وكان معه مجموعة من الأجانب والمصريين الذين أبدوا جميعًا انبهارهم بالصحراء حتى إن واحدًا منهم تمكن من قيادة الركب نحو واحة مجهولة في الصحراء المصرية وأعني بذلك اكتشاف واحة الجغبوب التي كانت مثار نزاع بين بريطانيا وإيطاليا.

ولعل ذلك كله يلخص في مجمله أهمية الصحراء وسعرها الحقيقي في عالم اليوم اقتصاديًا وسياسيًا إذا جاز التعبير، ولذلك لا ينبغي أبدًا نفترض أن الأرض المزروعة بمحاصيل معينة هي وحدها التي تمثل عناصر الثروة القومية، فرمال الصحراء لا تقل أهمية عن الأرض الخضراء، بقي أن نقول إن في الصحراء آثارًا حقيقية للفلسفة والتأمل وفهم ما يستعصي على الإنسان من مشكلات المدن أو ضجيج القرى، أو صخب المصانع والأسواق، كما يجب ألا ننسى أن الصحراء هي مستودع الثروات ومخزون الاكتشافات فهي ليست مجرد صور على «كارت بوستال» لجمل يعدو تحت عنوان «سفينة الصحراء فوق رمال الأرض العربية».

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
المصدر : الاهرام

arabstoday

GMT 22:14 2020 الخميس ,06 آب / أغسطس

أخبار عن اللاساميّة وماليزيا وآيا صوفيا

GMT 00:18 2020 الأربعاء ,05 آب / أغسطس

رسالة إسرائيلية.. أم إنفجار؟

GMT 03:49 2019 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

الموجة الجديدة من الحراك العربي

GMT 03:43 2019 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان بين صيغتين

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

زراعة الصحراء فى الوطن العربى زراعة الصحراء فى الوطن العربى



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 07:48 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
 العرب اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 09:23 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
 العرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 02:54 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

الجيش السوري يعلن وصول تعزيزات كبيرة لمدينة حماة
 العرب اليوم - الجيش السوري يعلن وصول تعزيزات كبيرة لمدينة حماة

GMT 08:36 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

ياسمين رئيس في لفتة إنسانية تجاه طفلة من معجباتها
 العرب اليوم - ياسمين رئيس في لفتة إنسانية تجاه طفلة من معجباتها

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
 العرب اليوم - الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024

GMT 05:57 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

المحنة السورية!

GMT 07:17 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

اليمامة تحلّق بجناحي المترو في الرياض

GMT 19:01 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

6 قتلى في قصف للدعم السريع على مخيم للنازحين في شمال دارفور

GMT 22:51 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الإسرائيلي يأمر بإخلاء شمال خان يونس "فوراً" قبل قصفه

GMT 20:03 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

القبض على موظف في الكونغرس يحمل حقيبة ذخائر وطلقات

GMT 20:27 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

دعوى قضائية على شركة أبل بسبب التجسس على الموظفين

GMT 22:06 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

إيقاف واتساب في بعض هواتف آيفون القديمة بدايةً من مايو 2025

GMT 08:16 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

وفاة أسطورة التنس الأسترالي فريزر عن 91 عاما

GMT 18:35 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

العراق ينفي عبور أي فصيل عسكري إلى سوريا

GMT 18:29 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

قصف إسرائيلي على مناطق جنوب لبنان بعد هجوم لحزب الله

GMT 17:20 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

هنا الزاهد توجه رسالة مؤثرة إلى لبلبة

GMT 18:45 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

ولي العهد السعودي يستقبل الرئيس الفرنسي في الرياض

GMT 11:32 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الاحتلال ينسف مبانى بحى الجنينة شرقى رفح الفلسطينية

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024

GMT 11:35 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

فقدان ثلاثة متسلقين أثناء صعودهم لأعلى قمة جبل في نيوزيلندا

GMT 21:48 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

انسجام لافت بين إطلالات الملكة رانيا والأميرة رجوة

GMT 08:11 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

ارتفاع حصيلة ضحايا فيضانات تايلاند إلى 25 قتيلا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab