اعترافات ومراجعات 42 العرش والمرض

اعترافات ومراجعات (42) العرش والمرض

اعترافات ومراجعات (42) العرش والمرض

 العرب اليوم -

اعترافات ومراجعات 42 العرش والمرض

بقلم - مصطفي الفقي

ترسخت فى وجدانى قضية التعادلية فى الحياة، فالدنيا تعطى باليمين وتأخذ بالشمال فى إيقاعٍ حياتى يرتبط بمسار البشر والتأرجح صعودًا وهبوطًا، وعندما كتب المصرى العظيم توفيق الحكيم عن منظور التعادلية استقر فى يقينى أيضًا أن الحياة تعطى أحيانًا خمسين بالمائة صحة وخمسين بالمائة مالًا، وقد يكون توزيع النقاط المائة فى حياة كل فرد محكوًما بمعادلات مختلفة: صحة وسلطة، شهرة وعاطفة، ذرية ومالًا، ألم يقل الله سبحانه وتعالى: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)، ويحفل التاريخ بانتكاسات بعد ازدهار وتراجع بعد صعود، والأمثلة لا تنتهى.

هل نسينا نكبة البرامكة فى العصر العباسى، بعد أن قويت شوكتهم حتى قلق منهم الخليفة ذاته، حيث دانت لهم السلطة والثروة والجاه والشهرة؟، فكانت نكبة البرامكة نموذجًا للسقوط من أعلى الهرم فى مجتمعها إلى السفح، بعد أن طارت رؤوس بحد السيف وتساقطت الرقاب استجابة لحقد دفين أو لغيرة مستترة، ولقد قال الداهية معاوية بن أبى سفيان: ما من دار مُلئت حبرة إلا ومُلئت عَبرة، فالتلازم بين السعادة والتعاسة يبدو مصدرًا ثابتًا لقواعد الحياة فى كل العصور، وليس صحيحًا أن الدنيا تعطى كل شىء، فهناك حالات كثيرة لا نرى منها إلا الجانب المشرق، بينما الأمر على الجانب الآخر يفيض تعاسة وألمًا،

ومازلت أكرر عبارة أبى الراحل- وقد كان حكيمًا هادئًا- حين كان يقول لى: «اعرف أنه إذا زهزهت لك الدنيا فإن القادم قد يكون مختلفًا تمامًا»، ولا تزال تلك الأفكار والرؤى تلوح أمامى، فأتوقع مع الخير احتمالات الشر ومع الشر بوادر للخير، فالفرج يأتى بعد ضيق والعسر قد يأتى بعد رخاء، والدنيا ليست على وتيرة واحدة، فهى تعطى بيد وتأخذ بأخرى كما أسلفنا، وها هو الملك المثقف، الذى يُعتبر ملك الملوك بحق، فهو يجلس على أكثر العروش شهرة، وهى الإمبراطورية التى كانت لا تغرب عنها الشمس من اتجاه إلا لتشرق فى جانب آخر من الإمبراطورية العظمى.

بينما أصبح التاج البريطانى حاليًا معبّرًا عن أستراليا وكندا وعدد من دول الكومنولث وبعض المستعمرات النائية، ولقد ظل ولى عهد بريطانيا لما يقرب من سبعين عامًا فى انتظار العرش الموعود وأمه الراحلة تتمسك بمقعدها حتى النفَس الأخير، وأنا أزعم أننى أعرف الملك تشارلز عن قرب فى ثلاث مناسبات الأولى دعوة على العشاء فى منزل السفير البريطانى بالقاهرة فى مطلع هذا القرن مع عدد قليل من الشخصيات المصرية احتفالًا بزيارة الأمير، الذى دخل علينا قاعة القصر وهو يرتدى الزى الاسكتلندى تأكيدًا لوحدة الإمبراطورية رغم انكماش دورها وتراجع تأثيرها.

وأتذكر أن السفير البريطانى ألقى كلمة تحية لولى العهد، الذى لم يرد بكلمة مماثلة، واكتفى بالتصفيق مع الحاضرين عند نهاية كلمة السفير، وقد دفعنى الفضول وسألت مَن يعرفون تفاصيل التقاليد البريطانية، فقيل لى إن أفراد الأسرة الملكية إذا تمت تحيتهم بكلمة مناسبة، فإنه لا يُتوقع منهم الرد وفقًا للتقاليد الملكية وسموها فوق الجميع، وعندما توليت موقعى أول رئيس للجامعة البريطانية فى مصر، وفى يوم الافتتاح عام 2006، رافقت الأمير تشارلز والسيدة قرينته، فى حضور قرينة الرئيس الراحل مبارك، التى كانت ضيف شرف الافتتاح.

ويومها سألت الأمير البريطانى عن سبب اهتمامه الملحوظ بالديانات السماوية وحرصه على إبراز احترامه للإسلام والمسلمين والابتعاد تمامًا عن كل ما يسىء إليهم، فأجابنى الأمير المثقف بأن ذلك كان نتيجة اهتمامه بالعمارة الإسلامية والقِباب والمآذن فى المساجد التاريخية، فبدأ يقرأ عن الإسلام، وألقى محاضرته الشهيرة فى جامعة أكسفورد حول مكانة الإسلام بين الديانات الإبراهيمية، كما ألقى بعد ذلك محاضرة مماثلة فى ذات الموضوع فى جامعة الأزهر الشريف فى مصر، ثم كان اللقاء الثالث والأخير فى عام ٢٠٢١ عندما استقبلته كمدير لمكتبة الإسكندرية.

حيث قضى الأمير وقرينته وقتًا ممتعًا فى تلك المؤسسة الثقافية العلمية، التى تتيه بها مصر وتفتخر دائمًا، وقد تفضل الأمير يومها، وقال لى إنه يترأس- كولى عهد- إحدى الجمعيات الكبرى ذات الطابع الثقافى، ويدعونى إلى إلقاء محاضرة فيها، خصوصًا أننى قلت له إننى فى آخر زيارة للندن منذ عامين ألقيت محاضرة فى مجلس العموم البريطانى بدعوة من الجمعية المصرية البريطانية التى يترأسها أ. سمير تكلا، وذكّرت الأمير حينها أننى أكبره بسنوات أربع بالتمام والكمال، فنحن نتفق فى يوم الميلاد، مع اختلاف السنوات.

لذلك أصابنى فزع كبير وحزن عميق وأنا أشاهد على شاشات التلفزة الملك تشارلز الثالث فى بداية رحلة مرضه التى أرجو له الشفاء منها جزاء ما قدم للثقافة الإنسانية والدارسات الحضارية من جهد ودعم عبر مسيرة عمره، والطريف أن العاهل الأردنى الراحل الحسين بن طلال يشترك معنا فى يوم الميلاد مع سنوات أسبق، وقد عانى من ذات المرض الذى يعانى منه الملك البريطانى، مع اختلاف المراحل ودرجات المرض.

ولا بد أن أُثنى هنا على بعض خصال الملك تشارلز التى لاحظتها، وهى أنه مستمع جيد للغاية، ولا يقاطع أحدًا فى حديث، ويعطى اهتمامًا واضحًا لما يقوله الآخرون، فضلًا عن تواضعه وبساطته رغم القيود البروتوكولية الصارمة لبلاط سان جيمس، بقى أن أتمنى أن يبتعد عنه المرض وأن يستقر له العرش ويحكم تشارلز الثالث بما يستحقه فى ذاكرة التاريخ الذى انتظره طويلًا!.

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اعترافات ومراجعات 42 العرش والمرض اعترافات ومراجعات 42 العرش والمرض



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 21:48 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

انسجام لافت بين إطلالات الملكة رانيا والأميرة رجوة
 العرب اليوم - انسجام لافت بين إطلالات الملكة رانيا والأميرة رجوة

GMT 09:23 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
 العرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 18:34 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

جماعة الحوثي تعلن تنفيذ 3 هجمات على أهداف حيوية في إسرائيل
 العرب اليوم - جماعة الحوثي تعلن تنفيذ 3 هجمات على أهداف حيوية في إسرائيل

GMT 09:23 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

سوسن بدر تخوض تجربة فنية جديدة
 العرب اليوم - سوسن بدر تخوض تجربة فنية جديدة

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
 العرب اليوم - الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024

GMT 05:57 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

المحنة السورية!

GMT 07:17 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

اليمامة تحلّق بجناحي المترو في الرياض

GMT 19:01 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

6 قتلى في قصف للدعم السريع على مخيم للنازحين في شمال دارفور

GMT 22:51 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الإسرائيلي يأمر بإخلاء شمال خان يونس "فوراً" قبل قصفه

GMT 20:03 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

القبض على موظف في الكونغرس يحمل حقيبة ذخائر وطلقات

GMT 20:27 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

دعوى قضائية على شركة أبل بسبب التجسس على الموظفين

GMT 22:06 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

إيقاف واتساب في بعض هواتف آيفون القديمة بدايةً من مايو 2025

GMT 08:16 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

وفاة أسطورة التنس الأسترالي فريزر عن 91 عاما

GMT 18:35 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

العراق ينفي عبور أي فصيل عسكري إلى سوريا

GMT 18:29 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

قصف إسرائيلي على مناطق جنوب لبنان بعد هجوم لحزب الله

GMT 17:20 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

هنا الزاهد توجه رسالة مؤثرة إلى لبلبة

GMT 18:45 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

ولي العهد السعودي يستقبل الرئيس الفرنسي في الرياض

GMT 11:32 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الاحتلال ينسف مبانى بحى الجنينة شرقى رفح الفلسطينية

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024

GMT 11:35 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

فقدان ثلاثة متسلقين أثناء صعودهم لأعلى قمة جبل في نيوزيلندا

GMT 21:48 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

انسجام لافت بين إطلالات الملكة رانيا والأميرة رجوة

GMT 08:11 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

ارتفاع حصيلة ضحايا فيضانات تايلاند إلى 25 قتيلا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab