اعترافات ومراجعات 36 أزمتِي مع التكنولوجيا

اعترافات ومراجعات (36).. أزمتِي مع التكنولوجيا

اعترافات ومراجعات (36).. أزمتِي مع التكنولوجيا

 العرب اليوم -

اعترافات ومراجعات 36 أزمتِي مع التكنولوجيا

بقلم - مصطفي الفقي

ما دمنا فى مطلع عامٍ جديد، فقد تكون الاعترافات ذات طبيعة ترتبط بالواقع والعلاقة بين الأجيال التى يشعر بها المرء عندما تتقدم به سنوات العمر، إذ يدرك أن الهوة تتسع بينه وبين الأجيال الجديدة، خصوصًا فى مجالات التكنولوجيا، بل تحديدًا تكنولوجيا الاتصالات. وقديمًا قالوا: إن المرء عدو ما يجهله، وهذه حقيقة يصعب تجاهلها. ولقد كانت علاقتى بالآلات وتكنولوجيا الحركة مشوبة دائمًا بكثير من الحذر، فأنا أقود سيارة منذ مطلع شبابى لكننى لم أتمكن من قيادة دراجة طوال حياتى.

كما أننى كنت فى سن صغيرة عداءً سريع الحركة ولكننى لا أجيد السباحة، وأتذكر عندما كنا ملحقين جددا بمعهد الدراسات الدبلوماسية أننى لم أكن متحمسًا للتعامل المباشر مع الآلة الكاتبة، وظلت هذه الأزمة التاريخية فى حياتى تراودنى حتى اليوم، بل لقد اتسعت دائرتها وظهرت آثارها كلما برزت موجات جديدة فى تكنولوجيا المعلومات وعالم الاتصالات.. وعلى سبيل المثال فإن ظهور الدور المتزايد للسوشيال ميديا قد جعل الهوة تتسع بينى وبين المتعلقين بها والمهتمين بالتطور التقنى لهذا العالم الجديد الذى أثّر تأثيرًا كبيرًا فى حياتنا.

ولأننى تقليدى ولست تجديديًا، ولأننى إصلاحى ولست ثوريًا، فقد استسلمت للأساليب التى تعودت عليها فى قراءة الصحف الورقية والكتب التراثية وابتعدت دائمًا عن المضى وراء الآليات الجديدة والحصول على المعلومات المتدفقة، مستعيضًا عن ذلك بمن يأتينى بخلاصة المنشور يوميًا على نحو لا ينال من العلاقة الحميمة بينى وبين كل ما هو ورقى. ولعلى أعترف هنا بأننى قد دفعت ثمنًا لذلك النقص الذى أقر به، بل أستسلم له.

ولقد واجهت مؤخرًا مشكلة سخيفة وأنا أرى مواقع السوشيال ميديا تشير إلى حديثٍ تلفزيونى لى لم أشاهده شخصيًا حتى الآن ولم أراجع محتواه قبل إذاعته كما كان متفقًا عليه، ولقد أصابنى من ذلك حرج شديد لم يكن له مبرر لو أن تعاملى مع الأمور كان تكنولوجيًا بحتًا من البداية بدلًا مما حدث، ولا أجد غضاضة فى أننى دائم البحث عن أحد أحفادى ليتعامل مع إحدى مشكلات التليفون النقال أو المساعدة فى فك رموز إحدى الرسائل التى لا بد أن أستعين فيها بمن يملكون مفاتيح تكنولوجيا العصر بتطورها السريع وتقدمها الكاسح. ويدهشنى كثيرًا.

بل ويثير إعجابى ويشعرنى بدرجة من الطمأنينة أن ألاحظ براعة صغار السن من الأجيال الوافدة على مسرح الحياة وهم يجيدون التعامل مع التكنولوجيا الجديدة ببراعة تثير الانبهار وتدعو للإعجاب، ولعل تراجع قراء المادة الورقية - صحفًا وكتبًا - هو دليل على اتساع المسافة بيننا وبين التطورات الحديثة على نحوٍ يجعل اللحاق بها أمرًا يحتاج إلى مثابرة وصبر وقبول بالتعلم فى أعمار متقدمة، ولا بد أن أعترف هنا أننى سمحت للموجات الأخيرة فى تكنولوجيا الاتصالات بأن يتجاوز قطارها محطتى الثابتة، إذ كنت أقارن دائمًا بين جدوى التعلم واكتساب الخبرة وحيازة المهارة فى هذا الشأن وبين ما بقى من عمر لا يملك الإنسان التفاؤل معه، إذ إن قطار الحياة السريع قد وضع حدًا للأعمار مهما كانت درجات الرعاية الصحية والاهتمام الشخصى.

ولا بد أن أعترف مرة أخرى بالتقصير من جانبى فى اللحاق بركب الأساليب الحديثة فى التعامل مع معطيات الكمبيوتر ولوازم التليفون المحمول، إذ إننى أعرف أصدقاءً لى، يحمل كل منهم مئات الكتب باللغات المختلفة فى ذلك الجهاز الصغير، وهو (الموبايل) الذى نضعه فى جيوبنا بلا وعى أو اهتمام.. وما أكثر الوفورات التى حققها الاهتمام المبكر بتكنولوجيا المعلومات ومصادرها المتعددة وأساليب التعامل معها فى عصر فاقت فيه الطرق الجديدة كل معطيات الماضى وكشوفه، حتى قيل إن ما حققته البشرية فى الخمسمائة عام الأخيرة يفوق كل ما حققه الإنسان فى الآلاف الخمسة السابقة عليه!.

ويهمنى أن أصرح مباشرة بأننى أكتب مقالاتى إملاءً، ولا أستخدم يدى فى الكتابة إلا ما ندر.. إنها قوانين الحياة ومقتضيات العمر وطبيعة التطور، وأعترف فى النهاية بأننى أضعت فرصًا للتعليم والتدريب فى مجالات التواصل الحديث، وأعترف أيضًا بأن جزءًا كبيرًا من أسباب التقاعس من جانبى ليس له مبرر إلا فوات الفرصة وتقدم العمر والرضا النسبى بما تحقق لى فى مسيرة الدنيا ورحلة الحياة. وهنا أقول مرة أخرى، إننى لست عدوًا لما أجهل، ولكننى أصبحت أسيرًا للهاث وراء المعرفة البعيدة والرؤية الشاملة والاختراقات اليومية فى عالم الميديا والتواصل، رغم النتائج السلبية أحيانًا لبعض مواقعها واجتزاء جزء من كل فقرة من موضوع أو كلمة من جملة.

وهنا أقول مرة أخرى: لابد من ترشيد نظرتنا، وتكثيف وعينا، وتعزيز روح الإلهام المستمد من سيل المعلومات المتدفق؛ تعزيزًا للحرية، وتدعيمًا للمشاركة، واعترافًا بقيمة العلم وآثاره الباقية.

arabstoday

GMT 00:58 2024 الأحد ,05 أيار / مايو

عبودية لطيفة

GMT 00:54 2024 الأحد ,05 أيار / مايو

تحديات القمة العربية في البحرين

GMT 00:51 2024 الأحد ,05 أيار / مايو

أهكَذا «البدرُ» تُخفِي نورَهُ الحُفَرُ؟!

GMT 00:49 2024 الأحد ,05 أيار / مايو

عن «الرجل الأبيض»!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اعترافات ومراجعات 36 أزمتِي مع التكنولوجيا اعترافات ومراجعات 36 أزمتِي مع التكنولوجيا



الملكة رانيا تتألق بإطلالة جذّابة تجمع بين الكلاسيكية والعصرية

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 18:35 2024 الجمعة ,03 أيار / مايو

وفد من حماس يصل القاهرة السبت لبحث هدنة غزة

GMT 21:45 2024 الجمعة ,03 أيار / مايو

غانتس يتفوّق على نتنياهو

GMT 14:50 2024 الأربعاء ,01 أيار / مايو

اختيار ملابس السفر قبل بدء مغامرة صغيرة

GMT 17:10 2024 الجمعة ,03 أيار / مايو

الغضب والثقة في السرب
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab