سر عبقرية نجيب محفوظ 22

سر عبقرية نجيب محفوظ (2-2)

سر عبقرية نجيب محفوظ (2-2)

 العرب اليوم -

سر عبقرية نجيب محفوظ 22

عمار علي حسن

وأنجز نجيب محفوظ كماً هائلاً من الأعمال الروائية والقصصية والحوارية والمقالات والترجمات، رغم أنه كان مضطراً للتوقف عن القراءة والكتابة لمدة ستة أشهر من كل سنة، بسبب مرض الرمد الذى أصاب عينيه، كان يقضيها فى التأمل، والتخطيط الذهنى لرواياته، التى تتسم بمعمار قوى، راسخ الأركان، متماسك المكونات، حافل بلغة جميلة عميقة، ورؤى شاملة.

وكان محفوظ يؤمن بأن الجهد الفائق هو العمود الفقرى للعبقرية ، وأن الإبداع «عملية إرادية»، ومن هنا كان حريصاً على أن يجلس كل يوم ينعم فيه بالإبصار السليم المعافى كى يكتب، إلى الدرجة التى كانت تبدو فيه المنضدة جزءاً عزيزاً من جسده. وهذا الحرص جعله يكتب حتى الرمق الأخير، فلما شُلّت يمينه بعد محاولة اغتياله فى عام 1994 راح يدرب يده على الكتابة بحروف مرتعشة، وكأنه طفل حديث عهد بالقلم، حتى تمكن من أن يخط سطوراً قصصية جديدة، ثم انتهى إلى الإملاء على سكرتيره الخاص، حتى لا يكف عن الكتابة مهما حصل. ولما انقطعت صلته بتفاصيل المجتمع والناس لضعف سمعه وبصره لجأ إلى رؤى الليل وأحلامه، لينسج منها أقاصيص رائقة عميقة، جمعها فى كتابه «أحلام فترة النقاهة».

وكان أشد حرصاً على القراءة التى أوصى بأن تكون «بلا حدود وفى أى اتجاه»، فتابع فى سنواته الأخيرة بعض الكتابات الأدبية الجديدة ، وظل يحرص على الإلمام بما ينتجه بعض الكتاب الصحفيين المفضلين لديه، وكان سكرتيره يقرأ له ما يريد، حتى اليوم الذى دخل فيه المستشفى للمرة الأخيرة.

وعلى التوازى مع الإبداع كان نجيب محفوظ موظفاً منضبطاً خلال سنوات عمله المديدة فى وزارة الأوقاف، فلم يتغيب عن مكتبه إلا لعذر قاهر، ولم يتأخر عن لحظة الحضور الرسمية أبداً، وبلغ فى هذا مستوى عجيباً، جعل كثيرين يضبطون ساعاتهم على وصوله. فقد كان يخرج من بيته فى حى العجوزة فى وقت لا يتغير، ثم ينعطف يساراً على كوبرى قصر النيل، ليتوغل فى وسط القاهرة، حتى يصل مبنى وزارة الأوقاف الكائن بحى باب اللوق فى موعده المحدد.

ولم يشعر محفوظ يوماً، على قامته الإبداعية المديدة، أنه فوق الوظيفة، أو أنها قد ضاقت على موهبته الرحيبة، بل أداها بتفان شديد، وإخلاص كبير، وهمة عالية، وكرر السلوك ذاته حين انتقل للعمل فى الرقابة على المصنفات الفنية، والكتابة فى صحيفة الأهرام، فصار مضرب الأمثال فى الجد والإخلاص.

أما الانضباط مع المرض فلم يقل عن نظيره مع العمل، فمحفوظ طبق نصيحة طبيبه بدقة، فصاحبَ مرض السكر، حتى روّضه وطوّعه تماماً، وبلغ فى احترام مرضه درجة أغاظت طبيبه نفسه فقال له يوماً:

«إننى دائماً أنصح مرضاى بأن يلتزموا بتعليماتى، أما معك فلأول مرة أجدنى أرغب فى أن أنصح مريضاً بأن يخالفنى».

رحم الله نجيب محفوظ، فقد تعلمنا منه أشياء أخرى، غير تواضعه وتأدبه الجم، وسرده الجميل المنطوى على كثير من القيم والمعانى الإنسانية الكبرى.

arabstoday

GMT 01:46 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

بائع الفستق

GMT 01:44 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

على هامش سؤال «النظام» و «المجتمع» في سوريّا

GMT 01:42 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

دمشق... مصافحات ومصارحات

GMT 01:40 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

السعودية وسوريا... التاريخ والواقع

GMT 01:38 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

ورقة «الأقليات» في سوريا... ما لها وما عليها

GMT 01:36 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

امتحانات ترمب الصعبة

GMT 01:33 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

تجربة بريطانية مثيرة للجدل في أوساط التعليم

GMT 01:29 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

موسم الكرز

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سر عبقرية نجيب محفوظ 22 سر عبقرية نجيب محفوظ 22



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:39 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة
 العرب اليوم - أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة

GMT 08:03 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد
 العرب اليوم - وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد

GMT 07:49 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل
 العرب اليوم - نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل

GMT 19:57 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

دراسة حديثة تكشف علاقة الكوابيس الليلية بالخرف

GMT 06:40 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

2024 سنة نجاحات مغربيّة

GMT 06:32 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

هل قرأت افتتاحية «داعش» اليوم؟!

GMT 08:12 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

ممرات الشرق الآمنة ما بعد الأسد

GMT 09:29 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

للمرة الأولى بعد «الطائف» هناك فرصة لبناء الدولة!

GMT 14:10 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

رسميا الكويت تستضيف بطولة أساطير الخليج

GMT 06:30 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

ما تم اكتشافه بعد سقوط النظام السوري!

GMT 11:26 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

وزيرا خارجية فرنسا وألمانيا يتفقدان سجن صيدنايا في سوريا

GMT 14:14 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

زلزال بقوة 4.7 درجة يضرب مدينة "سيبي" الباكستانية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab