خيارات «الشيعة العرب» 22

خيارات «الشيعة العرب» (2-2)

خيارات «الشيعة العرب» (2-2)

 العرب اليوم -

خيارات «الشيعة العرب» 22

عمار علي حسن

وأمام تهميش بعض أنظمة الحكم العربية للشيعة، وأمام السياسات الغربية الرامية إلى إشعال الفتنة المذهبية فى بلادنا، راحت الأغلبية الكاسحة من الشيعة العرب تبحث عن «الحضن الإيرانى»، متنازلة عن تلك الفروق النظرية بين «الصفوية» و«العلوية»، أو بين مرجعية «قم» ومرجعية «النجف»، فوجدنا صور الخمينى وخامنئى وعَلم إيران تُرفع فى مظاهرات للشيعة بالبحرين وشرق السعودية.

وهناك أربع مسائل رئيسية يجب أخذها فى الاعتبار حين نناقش الانتماء الوطنى القومى للشيعة العرب، أولاها: أن رفض قطاعات من الشيعة للقومية العربية لا يعنى بالضرورة رفض الانتماء إلى العالم العربى، بقدر ما يعنى عدم التجاوب مع الجانب «العلمانى» من الفكرة القومية. فقد رأى رجال الدين الشيعة، شأنهم فى ذلك شأن العديد من الحركات الإسلامية السنية، أن القومية تبدو فى جوهرها معادية للإسلام، واستندوا فى ذلك إلى كون المفكرين القوميين العرب الأوائل لم يكونوا مسلمين، وكون القومية تنطوى على «عنصرية» للعرق العربى، طالما عانى منها المسلمون من غير العرب طويلاً فى القرون التى رحلت.

وبغضّ النظر عن مدى صواب أو خطأ تصورات الشيعة عن القومية، فإننا لا يجب أن نتخذ منها دليلاً على عدم انتمائهم، لأن قطاعات عريضة من السنة العرب، خصوصاً من المنتمين إلى الجماعات والتنظيمات السياسية ذات الإسناد الإسلامى، رفضت القومية وعادتها، ورأت أنها تهدف إلى محاربة الإسلام، ومن ثم قاومتها، وفرحت لفشلها. ومع ذلك فإن من بين الشيعة مفكرين وساسة تفاعلوا بإيجابية مع الفكر القومى، ودافعوا عنه، من صفوف حزب البعث، والأحزاب الاشتراكية فى بلاد الشام، والتيارات القومية فى منطقة الخليج العربى، شأنهم فى هذا شأن نظرائهم من السنة.

والمسألة الثانية أنه ليس من صالح الدول العربية أن تتحدث فى الاتجاه الذى يسلخ الشيعة عن عروبتهم، فمثلاً ستصبح عروبة العراق هشة إذا خرج العرب الشيعة من المعادلة، بل ستكون حتماً دولة غير عربية من دونهم. كما أنه ليس من صالح التطور السياسى فى المنطقة النفخ فى أوصال العلاقة بين الدين والسلطة، سواء من بوابة التشيع أو من نافذة الحركات الإسلامية السنية. كما أن هناك أجندة مشتركة للسنة والشيعة معاً فى المنطقة، منها مواجهة العدوان الإسرائيلى والاستكبار الأمريكى.

أما المسألة الثالثة فإن الولاء للدولة الوطنية ليس مجرد رابطة عاطفية تدور فى فراغ، بل تتأسس على أفكار وممارسات فى الواقع المعيش، تقوم على إعلاء مبدأ المواطنة، والمساواة بين الفئات والشرائح المكونة للدولة، وبناء معايير عادلة فى توزيع الثروة والمناصب والأمن الاجتماعى. وآفة الأنظمة العربية أنها منذ الاستقلال وحتى اللحظة الراهنة لم تفعل ما تحافظ به على «التكامل الوطنى»، فجارت على الأقليات ومن بينها الشيعة. وآن الأوان أن تنتهج هذه الأنظمة من السياسات ما يرمم الشروخ التى أوجدتها التفرقة بين العناصر الاجتماعية المكونة للدولة، بدلاً من اتهام أى أقلية بعدم الولاء لوطنها.

والمسألة الرابعة التى يجب أخذها فى الاعتبار عند مناقشة هذا الموضوع هى أن هناك مساحة شاسعة بين «التعاطف» و«الولاء»، وإذا كان الشيعة العرب يتعاطفون مع إيران، فإن هذا التعاطف امتد إلى السنة العرب أيضاً فى لحظات تاريخية محددة، مثل التى أعقبت قيام ثورة الخمينى التى بدت ملهمة للجماعات الإسلامية برمتها، ومثل فترات المواجهة بين إيران والغرب، حيث ترى الأغلبية الكاسحة من العرب السنة فى النهاية أن إيران أقرب إليهم من أمريكا وإسرائيل، وأن هناك قواسم مشتركة بينها وبين العرب، خصوصاً فى مقاومة المشروع الاستيطانى الصهيونى، والتصدى للاستراتيجية الأمريكية فى المنطقة.

إن الاختلافات المذهبية يجب ألا تعمى أبصارنا عما عداها. ومن الفطنة أن نُخضع ما يخص الدين للحوار، على أساس مبدأ «نتعاون فى ما اتفقنا عليه ويعذر بعضناً بعضاً فى ما اختلفنا فيه»، ونُخضع ما يتعلق بالسياسة للمصلحة العليا، فنعزز الوشائج التى تزيد من مناعة العرب، ليقاوموا مشروعات خارجية يتأسس جانب منها على بث الفرقة بينهم على خلفيات المذهب والدين والعرق، مثلما يجرى الآن، فى خدمة جليلة للأمريكيين الذين رفعوا شعار «الفوضى الخلاقة» ذاهبين إلى خيار مفتوح لإحياء النعرات الطائفية والمذهبية فى بلادنا، والبداية ها هى واضحة للعيان على أرض سوريا، ثم انتقلت إلى اليمن.

arabstoday

GMT 09:43 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

بجعة سوداء

GMT 09:42 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

كيف نتعامل مع سوريا الجديدة؟

GMT 09:40 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

سيناء فى عين الإعصار الإقليمى

GMT 09:39 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

متى يخرج السيتى من هذا البرميل؟!

GMT 09:38 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

تركيا في الامتحان السوري... كقوة اعتدال

GMT 09:35 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

عن «شاهبندر الإخوان»... يوسف ندا

GMT 09:33 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

تنظير في الاقتصاد بلا نتائج!

GMT 09:30 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط والشرع وجروح الأسدين

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

خيارات «الشيعة العرب» 22 خيارات «الشيعة العرب» 22



GMT 00:35 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

لبنان يتعهد بالتعاون مع "الإنتربول" للقبض على مسؤول سوري
 العرب اليوم - لبنان يتعهد بالتعاون مع "الإنتربول" للقبض على مسؤول سوري

GMT 21:53 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

زينة وباسم سمرة معاً في الدراما والسينما في 2025
 العرب اليوم - زينة وباسم سمرة معاً في الدراما والسينما في 2025

GMT 20:36 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الأمير الحسين يشارك لحظات عفوية مع ابنته الأميرة إيمان

GMT 02:56 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

النيران تلتهم خيام النازحين في المواصي بقطاع غزة

GMT 17:23 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنتر ميلان الإيطالي يناقش تمديد عقد سيموني إنزاجي

GMT 16:59 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نتنياهو يتوعد الحوثيين بالتحرّك ضدهم بقوة وتصميم

GMT 17:11 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

اتحاد الكرة الجزائري يوقف حكمين بشكل فوري بسبب خطأ جسيم

GMT 02:52 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

مقتل 10 ركاب وإصابة 12 في تحطم طائرة في البرازيل

GMT 06:45 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

انفجار قوي يضرب قاعدة عسكرية في كوريا الجنوبية

GMT 17:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

.. قتلى في اصطدام مروحية بمبنى مستشفى في تركيا

GMT 11:24 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab