حالة اليسار بعد الانتخابات

حالة اليسار بعد الانتخابات

حالة اليسار بعد الانتخابات

 العرب اليوم -

حالة اليسار بعد الانتخابات

عمار علي حسن

يمكن أن يقال من دون تمهل إن اليسار هو الخاسر الأكبر فى الانتخابات البرلمانية، لكن هذا الاستنتاج يبدو سطحياً قياساً إلى استنتاج آخر يبين أن إفرازات هذه الانتخابات لا تعبّر حقيقة عن الاتجاه الغالب لدى عموم المصريين، وبالتالى ستبقى لليسار دوماً فرصة ليقول: أنا موجود بين الذين لم يشاركوا فى هذه الانتخابات، أو حتى من أجبرتهم ظروفهم الاقتصادية الصعبة على الاستجابة إلى موظفى «المال السياسى» فى حصد مقاعد البرلمان فشاركوا، وأيضاً فى جزء من الذين أعلنوا صراحة أنهم مقاطعون لهذه الانتخابات، ليس للأسباب التى تسوقها جماعة الإخوان بالطبع، إنما لأسباب أخرى تتعلق بالاعتراض على القوانين التى حكمت الانتخابات والظروف التى جرت فيها.

لكن أقوال اليسار تلك لا تكفى حجة دامغة كى يقول إن لنا فى الشارع نصيباً كبيراً. نعم، زاد الفقر والتهميش إلى حد بعيد فى المجتمع المصرى وترنحت الطبقة الوسطى وسقط كثيرون منها إلى الدرجات الدنيا أو يكادون، فباتت الأشواق إلى العدل الاجتماعى عارمة، وهو ما يقع فى قلب الفكر اليسارى، بل يشكل قيمته المركزية، لكن هذا لا يعنى بالضرورة استتباعاً سياسياً مباشراً لمن يتوقون للعدل بالأحزاب اليسارية.

لقد تأثر اليسار المصرى عميقاً فى ربع القرن الأخير بعوامل عدة أدت إلى تراجع مكانته ونفوذه، وأثّرت فى قدرته على المنافسة فى الانتخابات المتعاقبة، وجعلت صوته مبحوحاً، لا يصل إلا متقطعاً أو مجروحاً أو هامساً إلى آذان السلطة، التى تتعزز يمينيتها بالتتابع، ولا تريد أحداً يذكرها بأن للفقراء حقوقاً وليست هبات وصدقات حتى لو كانت تُدفع من الميزانية العامة للدولة.

وأول هذه العوامل يرتبط باستهداف السلطة لليسار بشكل منظم وجارح بدءاً من عام 1974، حيث عمد الرئيس السادات إلى ضرب اليسار الذى كان يشكل ظهيراً اجتماعياً لسلفه جمال عبدالناصر، واستدعى التيار الذى يوظف الإسلام فى تحصيل السلطة والثروة من الإخوان والجماعات الإسلامية والسلفيين ليواجه اليسار، وسلط الإعلام المقروء والمسموع والمرئى الضوء على ما التقطه من سوءات اليسار فى الفكر والحركة، وإن لم يجدها اخترعها، وبالغ فى التخويف منها، ودخلت أجهزة الأمن على الخط فنكلت بقادة اليسار، وضربت أحزابهم من داخلهم بافتعال الانشقاقات والتصدعات.

وثانى هذه العوامل هو تراجع بريق أفكار اليسار عقب انهيار الاتحاد السوفيتى قبل عشر سنوات فقط من نهاية الألفية الثانية، ففى هذه اللحظة التاريخية الفارقة تداول اليسار المصرى الرأى حول مستقبله، ونشرت صحيفة «الأهالى» الناطقة باسم حزب التجمع حلقات طويلة عن هذه المسألة، اعترف الجميع فيها بأن ما جرى فى موسكو له ارتدادات سلبية عليهم، رغم خصوصية اليسار فى مصر ووطنيته، وإن كان أملهم لم يغب فى أن القيم التى ينادى بها اليسار ستبقى وتجذب أنصارها طيلة الوقت.

والعامل الثالث يرتبط بانقسام اليسار على نفسه، ففى هيئته التقليدية كان موزعاً على حزب التجمع الوحدوى، الذى ضم فصائل متعددة من الاشتراكيين والشيوعيين، والحزب الناصرى، ثم انقسم الناصرى على نفسه، وانسلخت عنه أو نشأت إلى جانبه أحزاب ناصرية عدة على رأسها حزب الكرامة، وبعد ثورة يناير طفا إلى السطح الاشتراكيون الثوريون، والحزب الشيوعى المصرى، وظهر التحالف الشعبى، وبقى يساريون آخرون بعيداً عن الأحزاب، ولم يشرع كل هؤلاء فى خطوات جادة لتنظيم الصفوف، وتجديد الرؤى، وإعادة بناء القواعد الاجتماعية المتهالكة.

ورابع العوامل هو تواطؤ بعض قيادات اليسار مع السلطات المتعاقبة بحثاً عن منافع شخصية، بما أسهم فى سقوطهم كقدوة، وتراخى عزيمتهم فى مواصلة تحدى الظروف الصعبة والاستمرار فى بناء تيار يدافع عن العدالة الاجتماعية والتنمية الذاتية واستقلال القرار الوطنى.

لكل هذا دخل اليسار منهكاً إلى عملية انتخابية كانت الأغلبية الكاسحة فيها لمن لهم حظوظ فيها من أصحاب الأموال، أو من أُنفقت عليهم أموال طائلة من قبَل رجال أعمال أو أحزاب أو أجنحة فى السلطة أو من جاءتهم أموال من أطراف أخرى، ولم يكن اليسار لديه كوادر ذات صيت ذائع كى تتحدى المال وتربح المنافسة، باستثناءات قليلة فاز فيها أفراد يساريون على سطوة المال فى بعض الدوائر.

ربما يفهم اليسار المصرى هذا الدرس، ويعرف أن التربة مهيأة لصعوده، إن جدد رؤاه ونظّم صفوفه وناضل إلى جانب جموع الشعب، وربما لا يفهم ما جرى ويبقى على حاله إلى أجل غير مسمى.

arabstoday

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 03:56 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 03:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 03:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 03:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 03:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 03:37 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

فلسطين وإسرائيل في وستمنستر

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حالة اليسار بعد الانتخابات حالة اليسار بعد الانتخابات



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 20:58 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الأميركي يقصف مواقع عسكرية في صنعاء

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

موسكو تسيطر على قرية بمنطقة أساسية في شرق أوكرانيا

GMT 14:19 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إلغاء إطلاق أقمار "MicroGEO" الصناعية فى اللحظة الأخيرة

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وفاة جورج إيستام الفائز بكأس العالم مع إنجلترا

GMT 17:29 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سائق يدهس شرطيا في لبنان

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إصابات بالاختناق خلال اقتحام الاحتلال قصرة جنوبي نابلس
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab