تفسير ظاهرة أحمد عز

تفسير ظاهرة أحمد عز

تفسير ظاهرة أحمد عز

 العرب اليوم -

تفسير ظاهرة أحمد عز

عمار علي حسن

تضاربت أنباء حول اعتزام المهندس أحمد عز الترشُّح للانتخابات البرلمانية المقبلة، بين تأكيد ونفى، وبينهما بالونات اختبار قد تكبر حتى تنفجر فى وجه الجميع، بمن فيهم من يجلسون اليوم فى كراسى الحكم. ولعل ما نشرته فى 28 يونيو 2008، أيام سطوة «عز» وسلطانه، يصلح اليوم ليُقرأ من جديد، فقد يفسر بعض ما غمض، ويتمم جزءاً مما نقص، وها هو، دون نقص أو زيادة:

(لم تأتِ التقارير والتحليلات التى انهمرت أخيراً حول قصة صعود المهندس أحمد عز وتوحُّش نفوذه من فراغ، فبعضها يجرى خوفاً على وطن مُستباح، وهذا يهمنى، وبعضها يتم لحساب جناح آخر فى النظام، وهذا لا يعنينى، لأن الجميع فى نظرى مدانون لفسادهم واستبدادهم. لكن ما شغل ذهنى كباحث فى علم الاجتماع السياسى هو إيجاد تفسير علمى لسر قوة وهيلمان أمين التنظيم بالحزب الحاكم ورئيس لجنة الخطة والموازنة فى البرلمان.

ورُحت أقلّب فى مكتبتى، فوجدت ما يساعدنى على الفهم أو على الأقل الاقتراب من الإلمام بهذا الصعود وذلك النفوذ. وأول ما لفت نظرى بشدة هو حديث العلامة العربى ابن خلدون عن التاجر الذى يصير حاكماً والحاكم الذى يصبح تاجراً، وكيف يؤذن هذا بنهاية الحكم وانهيار العمران، فها هو يقول فى مقدمته ذائعة الصيت: «التجارة من السلطان مُضرة بالرعايا مُفسدة للجباية»، ويؤكد: «الداعى لهذا كله هو حاجة الدولة والسلطان إلى الإكثار من المال بما يعرض لهم من الترف فى الأحوال.. ثم لا يزال الترف يزيد والخرج (النفقات) بسببه يكثر، والحاجة إلى أموال الناس تشتد، ونطاق الدولة بذلك يزيد، إلى أن تنمحى دائرتها ويذهب رسمها ويغلبها طالبها».

وفى رسالة أرسطو طاليس إلى الإسكندر الأكبر ما يعظ أولئك الذى وفّروا لـ«عز» كل شروط احتكار سلعة لا يستغنى عنها الناس وهى الحديد، حيث يقول له: «لا تلح فى أخذ أموال رعيتك فتضعفهم، وتنبغض إليهم، واصرف ما تناله من أموالهم فى مصلحة عامتهم، واشتهر بذلك تسعد به»، لكن ما يجرى عندنا هو العكس، فأموال الناس تُؤخذ لصالح حفنة من البشر، ولا يتبصّر أهل الحكم بما أورده أبوالحسن الماوردى فى كتابه العمدة «نصيحة الملوك» إذ يقول: «إن رغب الملك فى المال الكثير، فإن الله تبارك وتعالى قد جعل لطلب الأموال سبلاً معلومة، وأسباباً معروفة، هى أطيب مأخذاً، وأحمد عاقبة».

وتركت كتب التراث وقلبت فوجدت كتاباً حديثاً بعنوان «الفساد والحكم» من تأليف سوزان روز أكرمان، وتصفحته فوقفت عند عبارة دالة تقول: «الحكام الفاسدون يدعمون السياسات التى تجنى الأرباح الشخصية لهم، حتى لو أدى ذلك إلى هبوط الدخل القومى».

وثار فى ذهنى سؤال حول ما فعله «عز» فى مجلس الشعب حين تمكن من تغيير مادة حول الاحتكار بعد يومين من إقرارها، فأسعفنى هذا الكتاب بإجابة تقول: «يستخدم المتنفّذون حرية القرار المعطى لهم لتعديل نشاطهم من أجل منفعة مادية شخصية لهم.. وقد يدمّر ذلك شرعية الحكومة ومصداقيتها وانضباط الناس مع القوانين والأنظمة».

وعن طبيعة الدور السياسى الذى يلعبه «عز» أجابنى «معجم بلاكويل للعلوم السياسية»، وقال إن أمثال «عز» يسمون فى العلم «حاملو السوط» (Whips)، وهم بمثابة مديرى الأعمال البرلمانية، الذين يعملون على تأمين حضور أكبر عدد من النواب أثناء التصويت، ويتمتّعون بسلطة واسعة لا سيما فى ظل الأنظمة الشمولية والمستبدة، وقد يمتد نفوذهم إلى التدخل فى تعيين الوزارة.

أما دوره المالى الذى تضخّم فقد نجد له تفسيراً فى الدراسات التى تحدثت عن «الوكلاء التجاريين للسلطة»، والتى جسدها علاء الأسوانى فى الفصل الأخير من روايته البسيطة الشهيرة «عمارة يعقوبيان» بسرده تفاصيل اللقاء الذى تم بين رجل أعمال وسياسى كبير رفيع المستوى، لتحديد نصيب الثانى فى الأرباح الطائلة التى سيحصل عليها الأول من الفوز بتوكيل لاستيراد صفقة سيارات فارهة، وقد عبّرت صحيفة «العربى» الناصرية عن هذا المعنى فى مانشيت عددها الصادر أمس، حين تساءلت: «هل يدير أحمد عز محفظة أموال الكبار؟».

وبحثت عن إجابتى الخاصة، بعيداً عما جاء بهذه الصحيفة فأطلت برأسها رؤية الباحث الفرنسى أوليفيه روا عن «الزبائنية السياسية»، التى يُعرفها بأنها الشبكة التى تتشكل حول شخص بيده سلطات ما، والتى تتقطع خيوطها حين تنقضى سلطته، ونجد مثالاً لها بمجموعة المنتفعين التى تلتصق بأصحاب المناصب، أو المجموعات المتضامنة التى تخلقها المنافع والحماية المتبادلة للمحسوبيات وزواج الأقارب والشلل الحاكمة، التى تدير الدولة لمصلحتها وحدها، بطريقة تشبه النموذج المملوكى أو تحاكيه.

وأعدت طرح سؤال عن حدود «عز» والمجال الذى يتحرك فيه، وعن سر تحمسه هو ومن حوله وأمامه ووراءه لبيع البلد، فعاجلنى بالإجابة سمير أمين وعادل حسين فى حديثهما عن «نظرية التبعية» التى تفرض وجود وكلاء تجاريين محليين للشركات الدولية عابرة القوميات والشركات الأجنبية الأخرى ووكلاء للاستيراد، يدافعون عن الخصخصة، ويجذبون إليهم تباعاً عناصر من النخبة السياسية، بحيث تتحول هى الأخرى إلى الوكالة، ثم يستخدم الجميع القانون والشرطة وجهات سيادية فى حماية تحالفهم وعلاقاتهم.

ولما وضعت كل ما تقدم متجاوراً، لأرى الصورة كاملة فهمت مقولة أحمد عز: «كل ما يهم حزبنا هو الحفاظ على كرسى الحكم»، وبرق فى خاطرى بيت الشعر الخالد لأبى الطيب المتنبى بعد أن ضاق ذرعاً بالعبد المرتزق «كافور» الذى صار سلطاناً على مصر: «أكلما اغتال عبد السوء سيده.. أو خانه فله فى مصر تمهيد» وحين يصدمنى الرقم الذى يقول إن ثروة أحمد عز وصلت إلى خمسين مليار جنيه أردد من المتنبى:

«نامت نواطير مصر عن ثعالبها.. وقد بشمن وما تفنى العناقيد»).

arabstoday

GMT 09:43 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

بجعة سوداء

GMT 09:42 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

كيف نتعامل مع سوريا الجديدة؟

GMT 09:40 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

سيناء فى عين الإعصار الإقليمى

GMT 09:39 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

متى يخرج السيتى من هذا البرميل؟!

GMT 09:38 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

تركيا في الامتحان السوري... كقوة اعتدال

GMT 09:35 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

عن «شاهبندر الإخوان»... يوسف ندا

GMT 09:33 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

تنظير في الاقتصاد بلا نتائج!

GMT 09:30 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط والشرع وجروح الأسدين

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تفسير ظاهرة أحمد عز تفسير ظاهرة أحمد عز



GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 09:52 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

أحمد حلمي يكشف تفاصيل لقائه بتركي آل الشيخ وجيسون ستاثام
 العرب اليوم - أحمد حلمي يكشف تفاصيل لقائه بتركي آل الشيخ وجيسون ستاثام

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 20:58 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الأميركي يقصف مواقع عسكرية في صنعاء

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

موسكو تسيطر على قرية بمنطقة أساسية في شرق أوكرانيا

GMT 14:19 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إلغاء إطلاق أقمار "MicroGEO" الصناعية فى اللحظة الأخيرة

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وفاة جورج إيستام الفائز بكأس العالم مع إنجلترا

GMT 17:29 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سائق يدهس شرطيا في لبنان

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إصابات بالاختناق خلال اقتحام الاحتلال قصرة جنوبي نابلس
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab