المفكر العربى ونقد الذات 22

المفكر العربى ونقد الذات (2-2)

المفكر العربى ونقد الذات (2-2)

 العرب اليوم -

المفكر العربى ونقد الذات 22

عمار علي حسن

وقد عانى ويعانى بعض من منتجى الأفكار فى العالم العربى من آفة تصنيفهم ليس فكرياً فحسب، بل سياسياً أيضاً. ولم يستوعب الآخرون أن هؤلاء يفكرون بعقول حرة ونفوس تنزع إلى الاستقلال. وظل كثيرون من أولئك تطاردهم الصورة الذهنية التى التُقطت لهم وهم فى مستهل طريقهم إلى المعرفة. ومن ثم طالما عبّر كثيرون عن حيرة انتابتهم فى تحديد توجه مفكر عظيم مثل جمال الدين الأفغانى، أو فيلسوف عبقرى مثل حسن حنفى. فالأول تراوح تصنيفه بين الاتهام بالماسونية والتجديد الدينى، والثانى تباين توزيعه بين الماركسية والتطرف الإسلامى.

وعلى مستوى آخر لم نبحث بجد واجتهاد لنحاول أن نفهم التحولات الفكرية فى حياة مفكرين كبار مثل طه حسين وزكى نجيب محمود وطارق البشرى والسيد يس وسيد قطب ومنير شفيق. ولم ننتج بعدُ ما يكفى فى علم اجتماع المعرفة ما يؤهلنا للحكم على السياق الفكرى الاجتماعى والسياسى بل والنفسى الذى أنتج فيه مفكرون عرب مختلف معارفهم من أمثال قسطنطين زريق ومحمد عابد الجابرى وعبدالله العروى وأدونيس ومحمد جابر الأنصارى وعلى حرب والطيب تزينى وفؤاد زكريا وأحمد أبوزيد والصادق النيهوم وعبدالله الغذامى وهشام جعيط وعلى الوردى وأنور عبدالملك... إلخ.

بل كل ما أعيا أذهان المتابعين للأفكار فى عالمنا العربى هو تصنيف هؤلاء فكرياً، بوضعهم فى قوالب جامدة، أشبه بالخزائن الحديدية، لا يستطيعون منها فكاكاً، مع أن الإنتاج المعرفى الذى راكموه بعد تصنيفهم القديم أو الأوّلى يبرهن جيداً على أنهم تطوروا فكرياً، وربما فارقوا تماماً، أو قاطعوا، تلك الأفكار التى كانوا يتبنونها فى مستهل حياتهم. ومع أن بعض السير الذاتية التى خلّفها مفكرون، أو الحوارات التى أُجريت معهم حول مسيرتهم الفكرية، تدل على أن هؤلاء فى حالة جدل مستمر مع الذات والآخر، سواء من خلال علاقات الوجه للوجه مع أندادهم فى العالم العربى وخارجه، أو بالاطلاع المستمر على ما يستجد من أفكار فى مختلف أرجاء العالم من خلال المصادر المكتوبة، أو بالتفاعل مع السياق الثقافى الاجتماعى المحيط بهم.

وآفة قولبة المفكرين العرب هذه مردها الرئيسى هو الرغبة فى الإمساك بمعيار، حتى لو كان زائفاً أو معيباً، يسهل على الناس التعامل مع المفكر، حيث الكسل فى متابعة ما يُنتج من أفكار، وهى مسألة تدل عليها مؤشرات عديدة منها تدنى مستوى توزيع الكتب وطباعتها فى العالم العربى وبالتالى انحسار عدد القراء، والضعف الشديد الذى أصاب الحركة النقدية، الأمر الذى بات محل شكوى عامة من المبدعين فى المعارف الإنسانية بمختلف ألوانها، علاوة على تراجع حجم النخبة الفكرية ذات الاهتمام الموسوعى، وتقطع أوصال الحوار بين أفراد هذه النخبة، وانتشار ظاهرة «الثقافة السماعية»، التى تهيئ المناخ الفكرى لتقبل الآراء الجاهزة أو «المقولبة» والمحرفة والأحكام السريعة على المفكرين، وطغيان السياسى على الفكرى فى حياتنا، بما ربط الرعيل الأول من مفكرينا بمشروعات سياسية، حزبية أو تنظيمية، وهى مسألة، رغم تراجعها، لا تزال حاضرة فى العقل الجمعى العربى فى تقييمه للمنتج الفكرى، ولا يزال هذا العقل غير قادر، أو لا يريد أن يستوعب، أن هناك من يفكر بطريقة حرة، بعيداً عن القوالب الجامدة.

 

 

arabstoday

GMT 05:53 2024 الأحد ,28 تموز / يوليو

المقدِّمة ألغت الألعاب

GMT 05:49 2024 الأحد ,28 تموز / يوليو

الآن أعينكم على نتنياهو

GMT 05:46 2024 الأحد ,28 تموز / يوليو

فى انتظار كامالا هاريس!

GMT 05:40 2024 الأحد ,28 تموز / يوليو

الإسقاط على «يوليو»

GMT 05:16 2024 الأحد ,28 تموز / يوليو

«المتحدة» واستعادة دولة التلاوة

GMT 04:44 2024 الأحد ,28 تموز / يوليو

القلم الذهبي... في البدء كانت الكلمة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المفكر العربى ونقد الذات 22 المفكر العربى ونقد الذات 22



ميريام فارس بإطلالات شاطئية عصرية وأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 15:55 2024 السبت ,27 تموز / يوليو

زلزال بقوة 4.9 ريختر يضرب بورتسودان
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab